بيروت ـ عمر حبنجر
سعد الحريري في طهران، والثلاثاء في باريس، في العاصمة الإيرانية زيارة سياسية واقتصادية مميزة بحكم اتصالها الوثيق بتداعيات الأوضاع اللبنانية المتصلة بالمحكمة الدولية، حيث يلتقي رئيس الحكومة اللبنانية مرشد الثورة علي خامنئي في لقاء هو الأول من نوعه، وفي باريس سيكون لقاء الرئيس الفرنسي ساركوزي على قدر من الضرورة لاطلاع الرئيس الحريري على نتائج محادثات مضيفه مع الأطراف اللبنانية التي تقاطرت على باريس مؤخرا، فضلا عن المعطيات الدولية المرتبطة بالمحكمة الدولية، وانعكاسات القرار الاتهامي المرتقب على الواقع اللبناني.
خطاب جديد لنصرالله
وبموازاة هذا الحراك الخارجي لرئيس الحكومة يتوقع ان يخرق السكون الداخلي خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ظهر اليوم بمناسبة حزبية يتطرق فيه الى جديد التحقيقات الفنية في عمليات التسلل الإسرائيلية الى اجهزة الاتصالات اللبنانية، التي كشفت عنها وزارة الاتصالات واظهرت ان الاسرائيليين توصلوا الى تقنيات تستطيع التحدث من هاتف اي كان، من دون علمه.
وتأخذ اطلالة السيد نصرالله الجديدة اهمية مضاعفة بوجود سعد الحريري في طهران اليوم وبالعد التنازلي الذي بدأ من اليوم لصدور قرار الاتهام في العشر الأول من ديسمبر بحسب «التسريبات».
أما صحيفة «المستقبل» فقد نقلت عن مصادر قريبة من حزب الله، ان الاسبوع المقبل سيحمل مفاجآت إيجابية على صعيد التسوية السورية ـ السعودية واحتمال صدور القرار الاتهامي لن يكون قبل العاشر من ديسمبر المقبل، وان صيغة هذه التسوية تنطوي على اتفاق مكتوب يبلغ الى الاطراف اللبنانية، مشيرة الى اهمية الموقف الذي سيعلنه حزب الله اليوم.
وهذا ما اكده السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري نافيا ما تردد عن جمود في المساعي السورية ـ السعودية او تراجعها، مؤكدا ان الاتصالات وان كانت غير رسمية الا انها موصولة ومتواصلة عبر مختلف الوسائل، ولم تتأثر بالظرف الصحي الذي ألم بخادم الحرمين الشريفين الذي تعافى وسيعود الى وطنه قريبا.
ولفت عسيري في حديث لقناة «ان بي ان» التي يشرف على سياستها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الى ان السعودية تبارك اي حل لبناني ـ لبناني يحول دون دخول لبنان في نفق مظلم وان اي جهد عربي وغير عربي مرحب به ويصب في عملية تحصين الداخل اللبناني ويقود الى استقرار لبنان.
وتحدث عن افكار ومساع سورية ـ سعودية وليس عن ورقة مكتوبة وتساءل: لماذا التعجل في حلول قد لا تفي بالغرض؟ ودعا الى التوقف عند التناقضات التي تنشرها وسائل الإعلام الخارجية بدءا من «دير شبيغل» وصولا الى تقرير «سي بي إس» والتفكير بمسؤولية بالهدف من هذه التسريبات التي تريد للأفرقاء في لبنان ان ينال بعضهم من بعض.
أبواب مشرعة
وحتى موعد ذلك القرار المنتظر يبدو ان الحريري وجد ابواب طهران مشرعة امامه، على مستوى قادة الثورة الاسلامية والدولة معا، اذ يستقبله المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وهو الولي الفقيه لدى حزب الله الى جانب لقاءاته بالرئيس محمود احمدي نجاد ونائبه محمد رحيمي ورئيس البرلمان علي لاريجاني، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، إضافة الى وزير الخارجية منوچهر متكي وآخرين.
ورافق الرئيس الحريري وفد وزاري موسع يضم سبعة وزراء ممن يتولون قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية وبينهم وزير حزب الله محمد فنيش، لكن لم يكن بين الوزراء وزيرا الدفاع إلياس المر والداخلية زياد بارود بيد ان هذا لن يحول دون زيارة رئيس الحكومة الى معرض للأسلحة الإيرانية والاطلاع على قدرات ايران العسكرية، بعدما ابدت طهران استعدادتها لتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني.
إلى ذلك اعطى الحريري بعدا اقليميا لزيارته حينما قال ان ما يجمع بين ايران والدول العربية يحتم علينا التواصل، ومتطرقا الى الدور السعودي ـ السوري في حل الأزمة اللبنانية.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية سيستكمل الرئيس الحريري ما توصل إليه البلدان من اتفاقات خلال زيارة الرئيس نجاد الى لبنان.
وواضح ان زيارة الحريري الى طهران تحظى بدعم حلفائه على الساحة المسيحية، فالبطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير رحب بالزيارة، ورئيس حزب الكتائب امين الجميل تمنى للحريري التوفيق فيها.لبنان جزء من الجامعة العربية
هذا ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن الرئيس سعد الحريري قوله لها انه أعرب للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لدى زيارته بيروت رفضه ان يكون لبنان جزءا من محور، وأبلغته ان لبنان جزء من الجامعة العربية.
وفي الشأن اللبناني قال الحريري ان ما يحاول التركيز عليه هو كيفية الحفاظ على البلد، وعلى وحدة اللبنانيين وهما مهمتان صعبتان للغاية.
وأكد الحريري انه يسعى الى تحقيق العدالة لبلاده، لأن لا شيء يعيد لي والدي.
وعن حزب الله قال هو حزب سياسي ونحن مختلفون سياسيا، لكن هذا لا يعني انه لا يمكننا التحاور. في المقابل السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي واللبناني في طهران زين الموسوي وصفا زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بالمهمة والتاريخية باعتباره انه يزورها للمرة الأولى كرئيس للحكومة في حين ان والده الشهيد رفيق الحريري كان اول رئيس حكومة لبنانية يزورها عام 1997.
وتحدث أبادي الى الصحافيين في الطائرة التي أقلتهم الى طهران قائلا ان هناك مواضيع كثيرة موضع اهتمام مشترك، ليس بين لبنان وإيران وحسب، بل بين لبنان ودول المنطقة التي هي أولى بحل مشاكلها بنفسها.
وأضاف: هناك اتصالات إيرانية ـ عربية، وبشكل خاص مع السعودية، وبالطبع مع سورية، مستغربا الحديث عن حساسية ايران حيال زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى لبنان، وقال على العكس تماما نحن نرحب بالتحرك التركي تجاه لبنان، لكنه لم يتطرق الى غيابه عن استقبال أردوغان في مطار بيروت أسوة بالسفراء الآخرين. وقال أبادي ان هدف زيارة الحريري كسر كل الحواجز النفسية وإعادة الأمور الى مجراها الطبيعي وتعزيز التعاون في كل المجالات، وأشار الى ان السياسة الإيرانية تهدف الى احباط مخطط الفتنة في لبنان والانفتاح على كل الأطراف السياسيين.
وسأله مندوب «النهار» عما اذا كانت سياسة الانفتاح التي يعتمدها ستشمل د.سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية أجاب: لاتزال مسألة الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المخطوفين عالقة، وهذا الملف يحول دون اللقاء، وردا على القول بأن جعجع لم يكن مسؤولا في مكان الحادث، أجاب أبادي: كان مسؤولا في منطقة الشمال ومن خطفهم سلمهم الى اسرائيل.
من طهران إلى باريس مباشرة
ومن طهران سينتقل الحريري الى باريس الثلاثاء للقاء الرئيس نيكولا ساركوزي، بناء لدعوة تسلمها من وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير قبيل مغادرته «الكي دورسييه» في التعديل الوزاري الفرنسي الأخير، وسيكون اللقاء على غداء عمل مع ساركوزي.
ويتزامن هذا التحرك الخارجي للحريري، مع مسار التهدئة من أجل فك ارتباط الوضع الداخلي بملف المحكمة الخاصة بلبنان والحديث عن قرب صدور القرار الاتهامي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وتاليا اصرار قوى المعارضة على ان يكون ملف شهود الزور امام المجلس العدلي شرطا للعودة الى طاولة مجلس الوزراء وتاليا للحوار، اضافة الى موقف مطلوب بالخارج من الرئيس الحريري، ينفي فيه فعل ايمانه بالمحكمة الدولية. ويرفض الرئيس الحريري مثل هذا الشرط، والاعتقاد في بيروت ان نفيه عبر وكالة أنباء «ايرنا» الايرانية ان يكون اتهم حزب الله بالجريمة، هو أقصى ما يستطيع تقديمه على هذا الصعيد، علما ان الحريري لم يتهم احدا بالأصل، وهو دائما كان يرى ان الاتهام القانوني شأن المحكمة الدولية وحدها.
انتظار تهدئة الأجواء
والاقتناع بات شبه تام، هنا ان القرار الاتهامي صيغ بالصورة النهائية، وان المطلوب أجواء هادئة في لبنان لتمرير صدوره.
ونقل زوار قصر بعبدا عن الرئيس ميشال سليمان، ان ثمة اتصالات لعقد هيئة الحوار الوطني قريبا، وتساءل الرئيس أمام زواره قائلا: إذا لم تعقد هذه الهيئة في ظل أزمة فمتى تنعقد؟ وتواترت معلومات عن انعقاد قريب لمجلس الوزراء بغية تمرير بعض العقود المبرمة مع الادارات وبعض المؤسسات العامة وإقرار بعض التعيينات خصوصا في منصب المدير العام للأمن العام بعد خلوه في الشهر المقبل نتيجة إحالة اللواء وفيق جزيني الى التقاعد، على ان يعاد تعيينه بصفة مدنية لا عسكرية.