بيروت ـ عمر حبنجر
الجدل سيد المجالس في لبنان، جدل حول الحوار المنفرد الذي يتابعه الرئيس ميشال سليمان، وجدل حول الزيارات الخارجية المتتالية لرئيس الحكومة سعد الحريري، واستطرادا حول ملف شهود الزور الحاضر عند المعارضة والغائب عند الموالاة وصولا الى قرار الاتهام للمدعي العام الدولي دانيال بلمار القريب الصدور والبعيد المنال، وقد انضم موضوع آخر إلى دائرة «الجدل الوطني» في لبنان، وهذه المرة بين وزير الداخلية زياد بارود المحسوب وزاريا على الرئيس سليمان وبين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي القريب من رئيس الحكومة، حول نشر تقرير يتعلق بالعميد المتقاعد فايز كرم، القيادي في التيار الوطني الحر، الموقوف بشبهة التعامل مع الموساد الاسرائيلي، والذي سرعان ما تحول، الى جدل متسم بالتحدي بين نواب التيار العوني المدافعين عن العميد كرم بداعي المظلومية فيما نسب اليه، وبين نواب تيار المستقبل الذين هبوا للدفاع عن اللواء ريفي.
على مستوى الجدل الحواري، التقى الرئيس سليمان امس، عضو هيئة الحوار الوطني النائب طلال ارسلان في اطار مشاوراته الانفرادية المستمرة، في وقت نفت فيه مصادر رئاسية ان يكون سليمان طرح فكرة نقل ملف شهود الزور من مجلس الوزراء الى طاولة الحوار.
وقد اعتـبر السفـير السعـودي في لبنان علي عواض عسيري انه من المبـكر اتــخاذ مـوقف رسمـي من تسريبات ويكـيليكس، لافتا الى ان ما سـرب عن الـسعودية وايـران لن يزعزع العلاقة الثنائية الجـيدة ولن تتـأثر نـظرا لكونها بلدا اسلاميا له ثقله الاقتصـادي والحيوي.
وعن ملف المحكمة الدولية اكد عسيري ان المحكمة شأن دولي لا يمكن الحديث عنها بل يجب التركيز على الداخل وتحصينه قبل اي كلام عن المحكمة والقرار الظني.
ولفت عسيري في حديث لـ «صوت المدى» الناطقة بلسان التيار الوطني الحر ان لدى سورية والسعودية ارادة ســياسية صـادقة لاسـتقرار لبنان، مشددا على ضرورة توحيد الصف اللـبناني وايقاف الصوت الاعلامي المتهجم الذي من شأنه الحاق الضرر بأي محاولة لاحتواء الازمة.
ولفت الى انه لا مبادرة سورية ـ سعودية وانما العمل العربي يتركز على مجموعة افكار من شأنها ارساء الاستقرار وتقريب وجهات النظر، واكد ان المطلوب تطبيق اتفاق الطائف وليس اعادة النظر فيه.
كما دعا اللبنانيين الى دعم جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان المخلصة وزرع الثقة المفقودة بين الفرقاء والاتفاق على انه مهما كان مضمون القرار لا خراب ولا فتنة في البلد.
كما نفى اي كلام عن طلـب سـعودي مـن رئيس الحكومة سعد الحـريري لتغيير مواقفه، مشيرا الى ان السعودية لم تتدخل ولن تتدخل يوما في الشؤون الداخلية لبنان لان النظرة السعودية للبنان اكبر من حزب معين، مقترحا تشكيل لجنة عقلاء لتقريب وجهات النظر.
في هذه الاثناء يستعد الرئيس سعد الحريري للانتقال من الرياض إلى سلطنة عمان للقاء السلطان قابوس بن سعيد، في وقت تستعد باريس لاستقبال الرئيس السوري بشار الأسد يوم الخميس، وقد استبقت الزيارة بالقول عبر مصادرها انها ترفض تسويات على حساب سعد الحريري وفريقه.
لكن حزب الله رد الكرة إلى ملعب الرئيس الحريري من خلال قول الشيخ نعيم قاسم، نائب الامين العام، ان للرئيس الحريري دورا اساسيا في معالجة الازمة، مرفقا كلامه بالقول: ان لبنان كله سيتأثر بما يحصل جراء خطوات المحكمة الدولية وان الفرصة متاحة للحل لكنها ليست مفتوحة الى الابد.
أسوأ أزمة
من جهته العماد ميشال عون، قال لوفد من طلاب الجامعة الاميركية في بيروت ان لبنان يمر بأسوأ الازمات في تاريخه واشار الى ان ثمة مساعي تبذل لعدم جعل الوضع يتفجر نتيجة الضغوط التي تمارس.
بدوره الوزير السابق وئام وهاب حذر امس من ان اليونيفيل لن يكونوا بخير في حال وقوع فتنة في لبنان.
لكن الحدث الآخر الذي شد الانتباه في بيروت، كان إصدار وزير الداخلية زياد بارود تدبيرا مسلكيا بحق اللواء أشرف ريفي المدير العام للأمن الداخلي بسبب نشر تقرير أعده الأخير حول الموقوف فايز كرم، العميد المتقاعد، المشتبه بعلاقته مع المخابرات الإسرائيلية، بناء علىطلب الوزير وفي إطار الجواب على سؤال للنائب نبيل نقولا، عضو كتلة العماد عون.
وفي التقرير الذي تسرب للصحف بعد 4 أيام يقول ريفي ان جريمة كرم استثنائية تمس بالأمن القومي والوطني، كونها تتعلق بأمنه وصموده ومقاومته للعدو الإسرائيلي، وترتبط أيضا بالمسلمات الوطنية.
وأشار ريفي الى ان هذه الأمور لا يمكن إلا ان تؤخذ بعين الاعتبار، وما تقدمت به شعبة المعلومات لجهة ضربها البنية التجسسية الإسرائيلية هي عمل وطني، أقل ما يقال فيه انه مقاومة نوعية، وان ما حققته في هذا المجال بالتكامل والتعاون مع الجيش اللبناني، هو إنجاز لم يسبق لأي جهاز أمني عربي ان حقق مثيلا له في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
مقارنة بين حالتين
ريفي قال ان حملة الدفاع عن العميل كرم، اضطرتنا للمقارنة بين قضيتين متشابهتين، في الأولى أوقفنا متهما بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، وكان يمت بصلة قرابة لأحد المرجعيات السياسية والنيابية (الرئيس نبيه بري) التي جسدت في تفاصيلها مع هذه القضية أرقى المواقف الوطنية، فلم تتدخل في التوقيف ولا في التحقيق ولا في المحاكمة وحكم على هذا الموقوف بالإعدام.
الوزير بارود رد من جهة بأنه ليس جزءا من السجال حول الإجراء الذي اتخذه بحق اللواء ريفي، وقال: «أنا أعمل في هذا المجال، من ضمن المؤسسات وليس لدي مشكلة مع اللواء ريفي شخصيا، كل ما أقوم به لصالح قوى الأمن الداخلي»، لافتا الى ان «التدبير الذي اخذته هو أقل ما يمكن لوزير ان يتخذه في حال تم تخطيه».
وفي اتصال مع محطة lbc قال: «انا مع مؤسسة قوى الأمن الداخلي وعلاقتي ممتازة مع المديرية ككل، ولكن لا أميز بين الشخصي وما حصل البارحة، والذي كان يجب ان يرد على الكتاب الموجه من أحد النواب هو مجلس الوزراء، وما حصل اني بعثت الى مجلس الوزراء بكل التقارير التي وردت من المديرية العامة مع حرصي على ألا يكون فيها جزء سياسي ومع ما أراه مناسبا، لكنني فوجئت ببيان في الصحف من قبل اللواء ريفي».
وتابع بارود: «انا حريص جدا على ممارسة صلاحياتي، وانا قمت بما قمت به من حرصي على المؤسسة، وأتمنى ان تكون حدودها هنا. انا أدعم مؤسسة الأمن الداخلي الى أقصى الحدود وقوى الأمن الداخلي يجب الا تنزلق الى السياسة».
فتفت يرد على الوزير
من جهته، النائب أحمد فتفت (المستقبل) بادر الى الرد على قرار بارود بالقول: لقد كان عليه مكافأة ريفي ومؤسسة الأمن الداخلي المسؤولة عن تفكيك 23 شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان. كما كان عليه ان يبادر شخصيا الى الدفاع عن قوى الأمن بوجه حملات الافتراء الشنيعة التي تطاله في ملف العملاء.
وأضاف فتفت: ان ما زاد في استغرابنا ان الوزير بارود لم يتخذ أي إجراء تأديبي بحق اللواء علي الحاج عندما لجأ دون اذنه وفي مرات عديدة الى الظهور الإعلامي بمواقف سياسية واضحة، آملا في نهاية تصريحه من الوزير بارود ان يصحح الخطأ في كلتا الحالتين.
وتعقيبا على قرار وزير الداخلية قال مصدر أمني رفيع لـ «الأنباء» انه مهما كان القرار ومن اتخذه، فإن مؤسسة قوى الأمن الداخلي مستمرة في معركتها ضد المتعاملين مع اسرائيل ولن تتوقف امام «الديماغوجيا» الإعلامية والسياسية التي تحاول التمويه على الحقائق والوقائع لإنقاذ سمعتها التي تلوثت بانكشاف تعامل بعض قيادييها مع العدو الإسرائيلي.
وكان النائب العوني نبيل نقولا هاجم اللواء أشرف ريفي عبر قناة «او.تي.في» الناطقة بلسان التيار الوطني الحر، قائلا: ان ريفي يريد من خلال سؤاله عن موقف حزب الله من قضية «العميل الإسرائيلي فايز كرم» الايقاع بين التيار الوطني الحر وحزب الله.
وتساءل: هل لأشرف ريفي الحق بأن يطلب من حزب الله مثل هذا الموقف؟