يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد غدا بعد توقف دام أكثر من شهر ويستأنف جلساته من النقطة التي كان انتهى وتوقف عندها، نقطة شهود الزور. ولكن انعقاد مجلس الوزراء لا يشكل في حد ذاته مؤشر انفراج وحلحلة ولا ينبئ بالوصول الى تسوية حول هذه المسألة الخلافية، ذلك ان مجلس الوزراء الذي لم تسبقه أي تسوية في موضوع شهود الزور ينعقد في ظل وضع أكثر تأزما وتعقيدا مما كان عليه قبل شهر، أي عندما تعطلت اجتماعات الحكومة. ومن علامات هذا التراجع الى الوراء أو التقدم الى الأسوأ علامتان فارقتان:
1 ـ الغموض الذي يكتنف المسعى السوري ـ السعودي الذي مازال قائما، ولكنه تقلص في حجمه وانخفض سقفه من مشروع «مبادرة وتسوية» الى «أفكار متداولة وتسهيلات تعطى للبنانيين». والاعتقاد السائد ان المرض المفاجئ للملك عبدالله بن عبدالعزيز ساهم في وقف اندفاعة هذا المسعى وجعل هناك حلقة أساسية مفقودة في عملية البحث عن تسوية، ولكن هناك أسبابا أخرى سياسية وراء انحسار قوة الدفع السورية ـ السعودية. منها التباين حول «توقيت التسوية والعامل الأميركي الذي له حساباته وأجندته.
2 ـ اشتداد واحتدام الحرب الكلامية بين حزب الله وتيار المستقبل. فقد طرأ تغيير ملحوظ على خطاب حزب الله السياسي الذي انتقل في لغة التحذير والتهديد الى مستويات أكثر حزما وجدية موحيا باستعداده للتحرك القريب وفي إعادة قلب الطاولة اذا لم يحدث تقدم على طريق إنتاج التسوية قبل القرار الظني.
أسباب كثيرة دفعت حزب الله الى رفع صوته ويده: دخول القرار الظني مرحلة بدء العد العكسي لصدوره، عدم إحراز تقدم على الخط السوري ـ السعودي، تعزز الشعور لدى الحزب بأن الفريق الآخر يمارس سياسة كسب الوقت لبلوغ القرار الظني وجعله أمرا واقعا. ومن الواضح ان حزب الله في تصعيده يبعث برسائل عاجلة في 3 اتجاهات: في اتجاه الحريري عشية مجلس الوزراء ليراجع حساباته. وفي اتجاه «المسعى السوري ـ السعودي» ليستعيد جهوزيته وزخمه والثقة به. وفي اتجاه كل من يهمه أمر الاستقرار في لبنان بأن حزب الله بعد صدور القرار الظني لا يفاوض على تسوية وخياراته مفتوحة.
أما رد تيار المستقبل الذي جاء يستفز حزب الله أكثر مما يراعيه ويجاريه، فإنه عكس عدم الاستعداد لتغيير الموقف تحت وطأة التهديد ورد التحدي بالتحدي. والبارز ان «المستقبل» وحلفاءه في 14 آذار لا يأخذون تهديدات حزب الله على محمل الجد وفي حساباتهم ان ظروف 7 مايو 2008 لا تتوافر اليوم، وان ما يهدد به هو مجرد تهويل لتحسين شروطه التفاوضية، وإذا أقدم حزب الله على تنفيذ تهديداته يكون قد وقع في خطأ كبير ولا يكسب على المستوى الاستراتيجي.
في ظل هذه الأجواء، تتجه الأنظار الى جلسة مجلس الوزراء من دون ان تعلق آمالا عليها. فالدعوة الى هذه الجلسة تمت بالتنسيق والتفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة وبناء على رغبة الرئيس سعد الحريري الذي أراد رد تهمة تعطيل الحكومة عنه، وجرت مراعاة حزب الله وفريقه في الشكل بأن أدرج موضوع شهود الزور على جدول أعمال الجلسة بندا أول. ولكن في المضمون لا تغيير في المواقف ولا في مسار الأمور مقارنة مع ما كانت عليه في آخر جلسة لمجلس الوزراء. فالمعارضة تدخل الى الجلسة بموقف سياسي محدد هو عدم الانتقال الى أي بند آخر قبل بت موضوع شهود الزور بالتوافق أو بالتصويت، والرئيس الحريري يرى ان الباب فتح مجددا أمام هذا الموضوع للنقاش وليس للبت والحسم، وان وصول المناقشات الى خلاف لا يوجب الانتقال الى التصويت وانما الى البنود الأخرى المتراكمة وأبرزها ما يتصل بموضوع التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يتوافر توافق حوله والذي يطرح في موازاته موضوع تعيين مدير عام جديد للأمن العام.
أما الرئيس ميشال سليمان الذي يترأس الجلسة وتعود إليه إدارتها وترتيب بنودها وتحديد مسارها، فإنه مازال عند موقفه الرافض لإحالة موضوع شهود الزور على التصويت تلافيا لانفجار الحكومة من الداخل وانفراط عقدها. وفي الخلاصة، فإن السيناريو الذي كان لآخر جلسة لمجلس الوزراء مازال قائما وساري المفعول ويختصر بأن الرئيس سليمان لن يبادر الى طرح الموضوع على التصويت، واذا فعل تحت إصرار المعارضة وتهديدها بالانسحاب يكون هناك احتمالان: إما ان ينسحب الحريري ووزراء 14 آذار في هذه الحال، وإما ان يجري تصويت وينتهي الى التعادل أي الى اللاقرار.
أغلب الظن ان موضوع شهود الزور سيبقى في دائرة المراوحة وان مجلس الوزراء سيبقى في دائرة التعطيل، وفي ظل هذا الوضع العالق تجري دورة جديدة من الاتصالات والمساعي السورية ـ السعودية في الفسحة الزمنية الفاصلة عن صدور القرار الظني.
الأنظار تتجه هذا الأسبوع الى جلسة الغد، ولكن أيضا الى خطاب السيد حسن نصرالله الذي يلقيه آخر أيام عاشوراء، والذي سيكون مؤشرا الى اتجاهات المرحلة المقبلة والى الموقف الجديد لحزب الله، هذا الموقف الذي مازال حتى الآن يتمحور حول نقطتين: دعم المساعي السورية ـ السعودية وإعطاؤها كل الفرص اللازمة، والتلويح الحازم بخيارات وخطوات تصعيدية اذا لم يتم التوصل الى تسوية قبل القرار الظني، تسوية تتوقف في نظر حزب الله داخليا على موقف الرئيس سعد الحريري واستعداداته الفعلية بالدرجة الأولى.