الزيارة الخاطفة التي قام بها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى طهران، حيث التقى مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، كانت موضع اهتمام ومتابعة في بيروت، إذ من الواضح ان الملف اللبناني كان في صلب هذه الزيارة وعلى رأس أهدافها في إطار «جهود منع الفتنة في لبنان»، وان زيارة الشيخ حمد الى طهران هي امتداد لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى الدوحة قبل أيام.
ومن الواضح أيضا ان الجهود والاتصالات الهادفة الى احتواء الأزمة والوصول الى تسوية سياسية لم تعد حكرا على المسعى السوري ـ السعودي، وان حلقة الدعم لهذا المسعى قد اتسعت لتشمل أطرافا إقليميين ودوليين مثل إيران وقطر وتركيا وفرنسا.
ولكن أبرز ما في زيارة أمير قطر وما توقف عنده المراقبون مليا هو الموقف الذي أعلنه السيد خامنئي في لقائه مع الشيخ حمد. فقد اعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ان أي قرار يصدر عن المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري سيكون «ملغى وباطلا».
هذا الدخول الإيراني المباشر على خط المحكمة الدولية والذي يعد «الأقوى والأرفع مستوى» ويحصل في لحظة سياسية حساسة ودقيقة في ظل سباق محموم بين صدور القرار الاتهامي وإعلان التسوية السياسية، أثار عاصفة من ردود الفعل بدءا من واشنطن ونيويورك مرورا بلاهاي وصولا الى بيروت.
ففي واشنطن، قال الناطق باسم وزارة الخارجية ان «لا سلطة لخامنئي على المحكمة التي هي مؤسسة قانونية مستقلة، وواشنطن تدعمها وتأسف لأن كثيرين في المنطقة قرروا تسييس عملها». وفي نيويورك صرح الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة بأن المحكمة الخاصة بلبنان تقوم بعملها بطريقة منهجية ومسؤولة، وان الأمم المتحدة ستدعم قراراتها.
وفي لاهاي صرح مسؤول العلاقات العامة في المحكمة الدولية بأن المحكمة تقودها الأدلة وانها لا تلزم أي دولة أخرى قانونا بالتعامل معها، وفي حال تضمنت اللائحة الاتهامية أشخاصا من ايران لا يمكن إجبارها على تسليمهم بل يتم اللجوء الى محاكمتهم غيابيا.
أما في بيروت، فكان من الطبيعي ان تلقى تصريحات خامنئي ارتياح حزب الله وحلفائه، لأن هذا الموقف الواضح والصادر عن المرجع الأعلى في الجمهورية الإسلامية يتبنى موقف حزب الله في رفضه للمحكمة ولأي قرار يصدر عنها، ويوجه رسالة إيرانية على مستوى عال جدا بأن الأمور في لبنان ليست متروكة وحزب الله ليس وحده وإيران معنية مباشرة بما يخطط. أما رد الفعل الأقوى والأعنف سياسيا في بيروت فجاء من تيار المستقبل وحلفائه في 14 آذار. فقد قرأت أوساط هذا التحالف في موقف خامنئي الإشارات والأبعاد والخلفيات التالية:
ـ مؤشر إضافي الى ان القرار الاتهامي بات وشيكا وانه لم يعد هناك متسع من الوقت ولا مجال للديبلوماسية لتؤثر على موعد صدوره أو على مضمونه.
ـ يعكس اقتناعا إيرانيا بأن المحكمة ستوجه أصابع الاتهام الى حزب الله.
ـ يؤكد ان حزب الله يتحرك وفق أوامر وتعليمات الولي الفقيه بدليل الموقف الموحد والمتطابق من المحكمة.
ـ يشكل الغطاء الإيراني الأرفع سياسيا وشرعيا لحزب الله في حربه المفتوحة على المحكمة، بحيث يستكمل ما كان بدأه سياسيا مع إعطاء الأمر طابعا شرعيا.
ـ يشكل ردا ضمنيا على كلام الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارتيه الى باريس والدوحة والذي ربط فيه موقف سورية من القرار الظني بأدلة قوية يتضمنها، بينما موقف خامنئي قاطع في رفض القرار جملة وتفصيلا واعتباره ملغى وباطلا كأنه لم يكن.
ـ يشكل تشويشا على المساعي السورية ـ السعودية ويزيد ظروفها وعناصرها «تعقيدا وصعوبة» ولا ينسجم مع ما أعلنته طهران سياسيا من دعم لهذه المساعي.
ـ يعكس تشددا إيرانيا في «شروط وعناصر التسوية» مثلما قد يعكس «يأسا» إيرانيا من إمكانية الوصول الى تسوية في موضوع المحكمة عن طريق المسعى السوري ـ السعودي.
أخيرا، تطرح أوساط 14 آذار هذا التساؤل: هل يعكس هذا الموقف تأكد ايران م أن القرار الاتهامي يصيبها أيضا؟ وهل يعكس اعترافا ضمنيا بأنها لم تنجح، في ان ينسحب تفاهمها مع الولايات المتحدة حول العراق على الملف اللبناني؟