اذا كانت الظروف العامة المحلية والاقليمية أدت الى ابطاء مسار الأزمة ووقف اندفاعتها القوية نحو الهاوية لتستقر عند حدود شل مؤسسات الدولة، فإن التعقيدات وتداخل الملفات في المنطقة تفضي الى ابطاء مسار التسوية السياسية التي يعمل لها لتطويق أزمة القرار الاتهامي ومفاعيلها، التسوية ظروفها موجودة وكذلك الارادة السياسية بشأنها متوافرة لدى الدول المعنية بالوضع اللبناني، ولكن اكتمالها وتظهيرها لن يحصل في القريب العاجل، وهي الآن تسلك مسارا بطيئا ولكنه ثابت وعملية تفكيك الألغام والتعقيدات السياسية المحيطة بها تستلزم وقتا وجهدا.
مع نهاية العام 2010 اقفلت أزمة المحكمة الدولية على الصورة التالية:
1 - لم تعد المساعي السورية السعودية في سباق مع الوقت وتجري في أجواء ضاغطة كما كان الحال عليه قبل أسابيع عندما اشتد السباق بين التسوية والقرار الاتهامي ليتبين الآن ان هذا القرار مؤجل حتى مارس المقبل، وان هناك مساحة زمنية وسياسية لصياغة هذه التسوية بطريقة متوازنة.
2 - عملية التسوية عملية دقيقة في البحث عن صيغة عملية توفق بين العدالة والاستقرار وفي الوصول الى تطابق تام وتفصيلي بين الموقفين السوري والسعودي، الالتقاء حاصل على العناوين والمبادئ الأساسية خصوصا ما يتعلق بحفظ الاستقرار السياسي والأمني واستيعاب مفاعيل القرار الظني، ولكن ثمة فوارق في النظرة الى الأمور وبالنزول الى التفاصيل والآليات التنفيذية.
3 - الموقف السعودي لم يحسم بعد بالنسبة لاتفاق بتضمن وقف عمل المحكمة ومنع صدور القرار الاتهامي، وانما ما زال يركز على تداعيات ما بعد القرار الظني وضرورة العمل على احتوائها، والموقف السوري الذي يعتبر ان المحكمة خطرة ومسيسة ويشكك في مضمون القرار الاتهامي وعدم استناده الى أدلة قوية، لا يضمن الوضع وبقائه تحت السيطرة بعد صدور القرار ولا يتعهد القيام بأي شيء لضبط حلفائه ومنع ردود الفعل من جانبهم.
٤- السعوديون مازالوا يأملون من سورية ممارسة نفوذها وتأثيرها على حزب الله كي يتعاطى مع المحكمة بالوسائل القانونية والسياسية والسلمية، والرد على القرار الاتهامي بالوسائل القانونية المشروعة، وبالانتظار اعادة احياء حكومة الوحدة الوطنية وهيئة الحوار الوطني.
وفي المقابل، فإن دمشق ترفض ان تتحمل مسؤولية الأزمة وان يدفع حلفاؤها ثمن استمرار عمل المحكمة، وتعتبر ان نجاح فرص التسوية يتوقف استعداد السعودية لممارسة تأثيرها ونفوذها على الرئيس سعد الحريري لأن في يده «مفتاح الحل الداخلي»، وفي الاتجاه الذي يدفعه للاستجابة للمطالب السورية في المبادرة الى نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة الدولية ورفض القرار الاتهامي.
5 - دمشق تنتظر ضمانات وتغطية دولية للتسوية اللبنانية بما في ذلك ضمانات أميركية، ولذلك تنتظر زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي الى واشنطن بعد أسبوعين في وقت تنتظر واشنطن نتائج اجتماع اسطنبول بين ايران والغرب، ومن الطبيعي ان تحترز دمشق وهي تقبل على رعاية هذه التسوية، خلافا للرياض، للحصول على مكاسب وتأكيدات من الدول الغربية الكبرى ولاسيما واشنطن من وراء دورها، في ضمان الاستقرار اللبناني ورميها بوزنها مع حلفائها في هذا الصدد، فتحصل على اعتراف دولي متجدد بنفوذها في لبنان.
كما ان دمشق مستعدة لإعطاء الرئيس سعد الحريري ما يحتاجه من وقت وعدم وضعه تحت الضغط لمراجعة موقفه واستيعاب وتقبل مقتضيات الاتفاق السوري السعودي ومفاعيله على مستوى المعادلة اللبنانية الداخلية أو على مستوى العلاقات اللبنانية السورية.