أسفرت الاجتماعات «الأممية»التي شهدتها نيويورك وكان محورها الأزمة في لبنان، عن نتيجتين:
- الأولى: ان المواكبة الدولية الاقليمية للوضع في لبنان تحولت الى مرحلة ما بعد القرار الظني، وان الجهود تتركز على احتواء تداعيات هذا القرار بعد صدوره، وان هذا هو «جوهر وهدف» المساعي السورية ـ السعودية التي تلقى دعما دوليا في اطار هذا الهدف، أي تثبيت الاستقرار في لبنان.
- الثانية: ان الرئيس الحريري يعود الى لبنان «محملا» بدعم دولي هو الأقوى والأوضح منذ وصوله الى رئاسة الحكومة.
وهذا الدعم من شأنه ان يجعل لعبة التفاوض تدور في ظروف أكثر تكافؤا وان يعزز موقع الحريري ويوسع هامش الموقف والمناورة لديه. وأولى علامات هذا الوضع الجديد الانتقال من الدفاع الى الهجوم ومن تقديم تنازلات الى «فرض شروط»، حيث يكمل الحريري بعد عودته ما كان بدأه تلميحا قبل ذهابه الى نيويورك من سعي الى 3 أولويات هي:
- سحب مذكرات التوقيف السورية كسيف مصلت فوق رأس فريقه.
- طي فكرة احالة موضوع شهود الزور الى المجلس العدلي.
- استئناف جلسات مجلس الوزراء والتوقف عن أخذ الحكومة والبلد رهينة.
يرى الحريري ان هذه خطوات واجراءات مطلوبة من الفريق الآخر قبل الولوج الى مرحلة التسوية وترميم الثقة المتصدعة.
وفي الواقع ينطلق الحريري من حقيقة انه فعل ما عليه عندما أدلى بحديثه الشهير الى «الشرق الأوسط» معلنا تبرئة سورية سياسيا من دم والده ومدليا باعتراف سياسي حول وجود شهود الزور ودورهم السلبي، وكان ينتظر ملاقاته في منتصف الطريق وما يشجعه على التقدم أكثر الا انه فوجئ بعكس ما كان ينتظره: مذكرات التوقيف، واشهار ورقة شهود الزور لتعطيل المحكمة الدولية، وتعطيل مجلس الوزراء. وبالتالي فإن ما يطلبه الحريري وما ينتظره من الطرف الآخر هو التراجع عن هذه الخطوات السلبية والعودة الى وضع طبيعي لا يكون فيه ضغط وابتزاز وإكراه..
ولكن الصورة مختلفة تماما عند الطرف الآخر وخصوصا عند دمشق التي «سربت» ردا على ما يقوله الحريري.. وهذه هي الأجواء والمواقف:
- الحريري لم ينفذ ما التزم به وما يجب عليه فعله. فاعترافه بوجود شهود الزور وادانته لهم لم يكن كافيا وكان يجب ان يقرن بخطوات عملية لمحاسبتهم وتحديد من يقف وراءهم.
- الخطوة الأولى في اتجاه التسوية مطلوبة من الحريري الذي عليه ان يبادر الى خطوة شجاعة في موضوع المحكمة الدولية والقرار الظني تستبق صدور القرار وتكون نقطة الانطلاق في عملية تحصين الوضع اللبناني الداخلي.
- يخطئ الحريري ان هو تعاطى مع دمشق كطرف وليس كراع للتسوية وأعطى انطباعا بأن الازمة بينه وبين الرئيس الاسد (ما نشرته «الحياة» عن تسوية حريرية ـ سورية برعاية سعودية أزعج دمشق).
هذا التوتر الخفي بين الحريري وسورية الذي تسرب الى العلن على هامش اجتماعات نيويورك، يؤكد ان العلاقة عادت الى نقطة الصفر وتحتاج من جديد الى عملية اعادة بناء الثقة، خصوصا اذا كان الحريري يرى ان معادلة المحكمة مقابل الحكومة «غير عادلة»، وان ثمن «المحكمة» أكبر من ذلك بكثير. واذا كانت دمشق تتحسب لاحتمال قيام معادلة أخرى مدعومة دوليا هي «المحكمة مقابل السلاح»، ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضمان عدم استخدام حزب الله سلاحه في الداخل.