للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف على الأقل، تسقط الحكومة باستقالة ثلث وزرائها، لم يسبق ان حصل ذلك من قبل، كما لم يسبق ان سقطت حكومة في البرلمان بسحب الثقة النيابية منها، ودرجت «العادة والتقاليد السياسية» ان يكون عمر الحكومة ومصيرها مرتبطا بشخص رئيسها الذي يحمل في يده ورقة استقالة الحكومة، وللمرة الأولى أيضا تحدث «اقالة» لرئيس الحكومة، فسقوط الحكومة بهذه الطريقة تعني «استقالة قسرية» لحكومة الوحدة الوطنية واقالة ضمنية للرئيس سعد الحريري الذي حددته المعارضة أول «هدف ضحية» لسقوط مشروع التسوية الذي كانت خيوطه تنسج على خط الرياض ـ دمشق، ومع ان حزب الله وحلفاءه حملوا الولايات المتحدة مباشرة مسؤولية عرقلة المسعى السوري - السعودي وتخريبه، جرى تحميل الحريري مسؤولية عدم القدرة على التحرر من الضغط الأميركي أو مسؤولية الانخراط في الرهان على دعم أميركي. هذا التطور الذي أدخل البلاد في مرحلة جديدة وزاد الأزمة صعوبة وتعقيدا، يدفع الى طرح تساؤلات كثيرة وكبيرة:
السؤال الأول: كيف سيتصرف الرئيس ميشال سليمان بعدما وضعت الكرة في ملعبه «دستوريا» على الأقل؟!
أرفقت المعارضة اعلان استقالتها الجماعية بدعوة رئيس الجمهورية الى الاسراع في تشكيل حكومة جديدة ومباشرة العملية الدستورية السياسية بدءا من اصدار مرسوم اعتبار الحكومة «مستقيلة» ودعوتها الى تصريف الأعمال، وبعد ذلك اجراء مشاورات نيابية ملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة.
وبموجب الدستور، فإن الحكومة باستقالة أكثر من ثلث وزرائها تعتبر حكما مستقيلة ويكون لزاما على رئيس الجمهورية اصدار مرسوم اعتبارها مستقيلة، والتأخير الذي حصل مع الرئيس سليمان في هذه الحالة هو تأخير «تقني» اذا صح التعبير لأنه من غير اللائق اتخاذ هذه الخطوة قبل عودة الحريري الى بيروت، ولكن المشكلة هي في «مشاورات التكليف» لأن المشكلة الفعلية هذه المرة هي في التكليف لا في التأليف، فإذا تم تجاوز عقدة التكليف فتح الباب أمام تشكيل حكومة جديدة، والا فإننا سنكون أمام أزمة حكومية سياسية طويلة، وهذا هو الانطباع السائد حاليا، وهنا يطرح سؤالان:
- هل يبادر الرئيس سليمان الى مشاورات نيابية ملزمة في أسرع وقت ممكن، أم يأخذ وقته ويتريث في اطلاق هذه المشاورات خصوصا انه غير ملزم دستوريا بأي مهلة زمنية لإنجازها؟ وهل يعمد سليمان الى تأخير عملية مشاورات التكليف إفساحا في المجال أمام مشاورات سياسية تسبقها لتأمين توافق على اسم الرئيس المكلف ومواصفاته ومدى مطابقتها لمواصفات المرحلة؟
- في حال حصل تعادل في تصويت مجلس النواب (64 ـ 64) مثلما كان يحصل في تصويت مجلس الوزراء أخيرا، كيف سيتصرف رئيس الجمهورية الذي يعود له «الاستنساب والتقدير» في مثل هذه الحالة؟، واذا لم يحصل مثل هذا التعادل وتقدم أحد فريقي 8 و14 آذار على الآخر بأكثرية طفيفة، هل يسير رئيس الجمهورية بهذه النتيجة أيا كانت العواقب؟
السؤال الثاني: ما الخطوة التالية للمعارضة بعد الاستقالة؟
اذا كان سقوط الحكومة أحدث صدمة سلبية وأثار مخاوف الدخول في «نفق أزمة جديدة»، فإن الايجابية الوحيدة لهذه الخطوة تكمن في انها تتم ضمن اطار المؤسسات وقواعد اللعبة السياسية والديموقراطية، وانها تحصر الأزمة هذه المرة في الاطار السياسي دون الانتقال الى الشارع وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وتوترات.
من الواضح ان حزب الله (مع حلفائه)، لأسباب كثيرة وحسابات خاصة، يحرص على ارسال اشارات التطمين بأنه يسلك الطرق السياسية وان اللجوء الى الشارع ليس بندا في خطته وليس حاجة وضرورة، وان اطاحة الحكومة والاستقرار السياسي لا تعني حكما اطاحة الهدوء والاستقرار الأمني.
- المؤشرات والمعلومات تدل الى ان المعارضة منهمكة في أمرين:
- الاول: رئيس للحكومة الجديدة، فالأمر على جانب كبير من التعقيد وتحكمه اعتبارات عدة.
هل تضمن المعارضة فعلا أكثرية برلمانية تتيح لها إيصال مرشحها؟ وماذا عن موقف جنبلاط الذي مازال يفضل الحريري رئيسا للحكومة، وماذا عن سائر أعضاء كتلته ان قرر هو الانسجام مع خيار المعارضة؟ وهل أخذ حزب الله قراره النهائي بعدم عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، أم ان عودته مازالت ممكنة بشروط جديدة «تتعلق خصوصا بموقفه واستعداده للسير في خطوات ضد المحكمة الدولية» وعلى اسس جديدة «تتعلق خصوصا بتركيبة الحكومة الجديدة وبرنامجها».
- الثاني: أي خطوات أخرى تسبق موعد صدور القرار الاتهامي وتصب في تهميشه وتهشيمه أكثر؟ ذلك ان التعقيدات المحيطة بعملية التكليف والتأليف تطرح استمرار حكومة تصريف الأعمال لفترة طويلة، ما يعني انه سيكون هناك تحول في اتجاه المجلس النيابي لإصدار ما لم تصدره الحكومة من قرارات تصب في نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة الدولية وفك ارتباط لبنان الرسمي بها «الغاء بروتوكول التعاون، سحب القضاة اللبنانيين، وقف التمويل اللبناني، اقفال مكاتب التحقيق الدولي ووقف أنشطتها في لبنان»، وحيث ان تأمين أكثرية برلمانية حول موضوع المحكمة يبدو بالنسبة لحزب الله أسهل وأيسر من تأمين أكثرية برلمانية حول موضوع الحكومة، لأن جنبلاط مستعد للانقلاب على المحكمة فيما هو غير جاهز وغير مستعد للانقلاب على الحريري.
السؤال الثالث: ماذا عن موقف دمشق؟
المأزق الراهن هو مأزق شامل يكاد يتساوى فيه الجميع حيث لا أحد في مأمن أو في منأى مع الأزمة والضرر والاحراج يطول الجميع في الداخل والخارج بنسب متفاوتة، فإذا كان الحريري أول المصابين فإنه يجد نفسه في وضع مريح أكثر بعدما تحرر من مسؤولية وضع ليس له وحكومة لا تحكم، واذا كان حزب الله حقق ضربة سياسية موجعة وأحرز نقطة ثمينة بإسقاط الحكومة، فإنه بسقوط الحكومة سقط في وضع مكشوف سياسيا وشرعيا، وهكذا.
وحتى سورية فإنها في وضع لا يخلو من الاحراج والحسابات الدقيقة التي يمكن اختصارها في الأسئلة التالية:
- هل أصدرت سورية حكما نهائيا على الحريري والتجربة القصيرة غير المشجعة معه؟ أم انها مازالت تفضله ولا ترى بديلا عنه ولكن وفق شروط ومواصفات جديدة؟
- ماذا عن العلاقات السورية ـ السعودية؟ اذا كانت حكومة الحريري شكلت أولى وأهم ثمارها، فهل سقوط الحريري أو إسقاطه بدعم أو غض طرف من دمشق يصيب هذه العلاقة ويعيدها الى ما قبل العام 2008 بموازاة عودة الوضع اللبناني الى ما قبل اتفاق الدوحة الذي شكل سقوط حكومة الوحدة الوطنية سقوطا لأهم وأبرز بنوده؟
- ماذا عن العلاقات والالتزامات الدولية لسورية التي نجحت في كسر العزلة الدولية وفي اقامة شبكة علاقات واسعة ومتينة تمتد من تركيا الى السعودية الى فرنسا.
- أخيرا، ماذا عن الاستقرار الأمني والتوازن العام في البلد؟ اذا كانت سورية أعطت الضوء الأخضر لسقوط الحكومة، هل تذهب الى أبعد من ذلك؟ هل تعطي اشارة الموافقة على استكمال «الحسم السياسي» مع ما يترتب عليه من تداعيات، أم تقرر التوقف عند هذا الحد والتركيز على عدم انفجار الوضع؟