حدد الرئيس ميشال سليمان موعد اجراء الاستشارات النيابية الملزمة بعد غد والمخصصة لتكليف من ستعهد اليه مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، كان قد سبق هذا «التحديد» اتصال تلقاه الرئيس سليمان من الرئيس السوري بشار الاسد ولقاء عقده مع الرئيس نبيه بري الذي لم يعرف بعد ما اذا كان لايزال على موقفه الذي أكد عليه مرارا بأنه ليس لديه اسم لرئاسة الحكومة غير سعد الحريري.
ومع الاعلان عن الاستشارات النيابية، الأهم والأخطر والأكثر غموضا في تاريخ حكومات ما بعد الطائف، انطلقت حسابات الأرقام و«البوانتاجات» النيابية في ظل خارطة وموازين قوى نيابية متكافئة ومتقاربة، وفي هذه الحسابات يكاد الاهتمام ان يكون محصورا بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلته المرجحة، وحيث انه يمسك في يده مفتاح الأكثرية النيابية، ومما لا شك فيه ان جنبلاط في وضع دقيق واختبار صعب، هو الخارج من فريق 14 آذار من دون أن يلتحق وينخرط حتى الآن مع فريق 8 آذار، والمتموضع في منطقة وسطية مع الرئيس ميشال سليمان باتت مكشوفة بعد سقوط المظلة السورية ـ السعودية، وليد جنبلاط الذي نجح في تحييد نفسه لم يعد بامكانه ان يظل على الحياد وهو يعرف ان ساعة الحسم واتخاذ القرار الصعب قد دقت، وان مسؤوليته كبيرة ودوره أساسي في تحديد وجهة الأكثرية ومسار الأوضاع.
في لغة الأرقام كتلة اللقاء الديموقراطي تضم 11 نائبا هم: جنبلاط، مروان حمادة، نعمة طعمة، ايلي عون، علاء ترو (الشوف)، أكرم شهيب، فؤاد السعد، هنري حلو (عاليه)، غازي العريضي (بيروت)، وائل أبو فاعور، أنطوان سعد (البقاع الغربي)، ومن حيث المبدأ كتلة جنبلاط متماسكة وله القرار والكلمة الفصل، ولكنه يقول ان خمسة من كتلته ولاعتبارات مختلفة مازالوا يتعاطفون مع 14 آذار ولا يمكنه ان يؤثر على قرارهم في مفاصل أساسية وهم تحديدا النواب غير الحزبيين (غير المنتمين الى الحزب الاشتراكي)، ولكن أي توزع في تصويت كتلة جنبلاط، وهذا مستبعد، لا يخدمه لأن ذلك يظهره اما انه غير مسيطر على كتلته المنقسمة أو انه يقوم بلعبة توزيع أدوار عبر اعطاء ضوء أخضر مغلف بإبداء تفهم لظروف واعتبارات المخالفين لتوجهه، واذا حدث وتوزعت كتلة جنبلاط في اتجاهين، فإن دوره السياسي يتقلص وحجمه الحكومي ينحسر ولا يعود بامكانه المطالبة بثلاثة وزراء في أي حكومة ثلاثينية جديدة.
أغلب الظن واستنادا الى قريبين منه ومطلعين على خفايا موقفه، ان جنبلاط حدد موقفه المبدئي وهو: اعادة تسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة لأنه لابديل عنه مقابل ان يلتزم بالسير في اجراءات ضد المحكمة الدولية، موقف جنبلاط «مع الحريري وضد المحكمة»، والترجمة العملية لهذا الموقف صعبة التحقيق لأن «تعويم الحريري» لم يعد ممكنا من دون «تعويم» المبادرة السورية ـ السعودية، وأغلب الظن أيضا ان جنبلاط الذي يتأهب للذهاب الى دمشق سيضع نفسه في تصرف القيادة السورية ويلتزم بتوجهها أيا تكن النتيجة، فهو يعرف ان دمشق فتحت له أبوابها و«سامحته» وان لذلك ثمنا وفاتورة استحق دفعها الآن.
تيار المستقبل مدعوما من حلفائه في قوى 14 آذار، متمسك بقوة بالرئيس سعد الحريري لرئاسة أي حكومة مقبلة ورافض لأي بحث من خارج هذا الأمر، لانه يخالف كل القواعد والأصول، فالحريري وصل الى رئاسة الحكومة اثر انتخابات ديموقراطية أعطته الأكثرية وهو رئيس أكبر كتلة نيابية وزعيم سني من دون منازع، وأي بحث في اقصائه بعد اسقاطه وفي اسناد رئاسة الحكومة لغيره سيؤدي الى اثارة الطائفة السنية واستنفار مشاعرها، وحسب مصادر المستقبل سيكون من غير المقبول اسقاط وتجاوز تجربة الأكثرية مع انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا للمجلس النيابي بشكل توافقي احترم توافق الطائفة الشيعية وقرارها، وسيكون من الصعب تحمل سابقة اختيار الشيعة أو فرضهم لرئيس الحكومة السني، كما سيكون من الصعب على أي شخصية سنية مرموقة ان تقبل منصب رئاسة الحكومة في ظل هذا الواقع، والنتيجة ان تشكيل حكومة جديدة سيكون صعبا جدا وان حكومة تصريف الأعمال مستمرة فترة طويلة ومعها أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات والمفاجآت.