بيروت ـ عمر حبنجر - هدى العبود
ازدحمت اروقة السياسة اللبنانية باللقاءات والاتصالات والمراسلات الاستعدادية للمشاورات النيابية التي يجريها الرئيس ميشال سليمان غدا وبعده من اجل تسمية رئيس يكلف بتشكيل الحكومة العتيدة وسط تربص كل فريق بما سيكون عليه موقف الفريق الآخر، او مرشحه للحكومة العتيدة.
وعلى هذا كانت هناك محطتا انتظار رئيسيتان: عودة النائب وليد جنبلاط من دمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد الذي لابد ان تكون له وجهة نظره من تسمية رئيس الحكومة المقبلة وإطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الثامنة من مساء اليوم. محطة الانتظار الأولى انتهت بصدور بيان رئاسي سوري اكد فيه الرئيس الاسد وجنبلاط اهمية الوعي لمخاطر التدخل الخارجي في لبنان. ووفقا للبيان فإن الجانبين اكدا اهمية الوعي لمخاطر التدخل الخارجي وأن تكون القرارات والحلول بأيدي ابناء المنطقة ومنطلقة من مصالحها.
وبانتظار كلام نصرالله في المحطة الثانية اليوم قال الوزير المستقيل عن حزب الله محمد فنيش انه الآن خارج السمع، بينما كان الموقف عينه لنائب الحزب علي فياض.
في هذه الاثناء حددت قوى 8 آذار صباح غد موعدا لاجتماعها التقريري لمن تسمي مرشحا لتشكيل الحكومة، ومثلها كتلة المستقبل وقوى 14 آذار التي قررت هي الاخرى اتخاذ الموقف الاخير من المشاورات في ضوء مستجدات جنبلاط وخطاب نصرالله.
وردا على سؤال لـ «الأنباء» قال مصدر في 14 آذار ان ذلك لا يعني ان موقفنا غير محسوم من ترشيح الرئيس سعد الحريري، الذي لم يجاهر للآن برغبته في البقاء في السراي الكبير، ولو ان البيان الذي اذاعه من القصر الجمهوري مساء امس الأول هو اقرب ما يكون من البيان الوزاري وكشف هذا المصدر عن توجه لدى بعض الأكثرية الى الرد على اي موقف ترشيحي غير ملائم من قبل المعارضة، بترشيح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي لا تنظر إليه المعارضة بعين الود.
الرئيس فؤاد السنيورة اعلن من جهته، تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة، خدمة للمشروع الوطني الكبير الذي بدأه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومتابعة لمسيرته للنهوض بلبنان ولكرامة جميع بنيه.
واعتبر السنيورة استقالة وزراء المعارضة مغامرة دستورية، وامعانا في مخالفة منطق التوافق وحكومة الوحدة الوطنية، وقال في عشاء لمنسقي المستقبل في الجنوب ان هذه الخطوة تشكل محاولة لتغيير القواعد والاصول والاعراف توصلا الى تغيير التوازنات وكما في البيانات الوزارية شدد السنيورة على التمسك بالعيش المشترك الاسلامي المسيحي وبالنظام اللبناني الجمهوري والمناصفة ورفض الهيمنة.
يُشار هنا الى ان الرئيس الحريري وفي كلمته المكتوبة التي اذاعها من القصر الجمهوري تقديرا منه لمواقف رئيس الجمهورية، وضع خطا احمر تحت عنوان الكرامة الشخصية والوطنية وقال في كلمته ليكن مفهوما للجميع انني ما كنت يوما ساعيا الى السلطة بأي ثمن، وانني بين السلطة وبين كرامة اهلي وأبناء وطني اختار كرامة لبنان واللبنانيين واضاف: ان كرامة كل طائفة او مجموعة في لبنان هي من كرامتي ولن يكون بمقدور احد التفريط
ابواب مفتوحة
في غضون ذلك، مصادر رسمية أبلغت «الأنباء» ان المواقف التي اطلقها الحريري من بعبدا تظهر ان الأبواب ليست مقفلة تماما، وهذا ما يبدو من خلال حرصه على «حفظ كرامة الجميع». كما انه ترك الباب مفتوحا للمبادرة السعودية ـ السورية، من خلال حديثه عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعن الرئيس بشار الأسد.
ودعت المصادر إلى انتظار نتائج الاتصالات الجارية خارج الأضواء بين عواصم القرار الدولي والإقليمي والتي تبحث في ترتيب سلة حلول تشمل رئيس الحكومة وبيانها الوزاري.
وحول بحث المعارضة عن شخصية غير سعد الحريري لتشكيل الحكومة، قالت المصادر ان ذلك يتطلب أمرين: قبول هذه الشخصية بشروط المعارضة، وتاليا لن تكون لهذه الشخصية الصفة التمثيلية والشعبية، وإلا فلا مندوحة من تسمية الحريري ضمن الحد الأدنى من التفاهم على المسائل الخلافية.
وهنا يتعين لفت الانتباه إلى بورصة المرشحين التي افتتحت على صفة المعارضة وفي اطار توجيه الرسائل الساخنة لرئيس الحكومة المستقيلة، وقد تضمنت لوائح هذه البورصة اسماء كثيرة ابرزها: الرئيسان السابقان للحكومة عمر كرامي ونجيب ميقاتي، ونائب طرابلس محمد الصفدي، والوزير السابق بهيج طبارة، والوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة والنائب السابق عن صيدا اسامة سعد والنائب السابق عن البقاع الغربي عبدالرحيم مراد.
وبعد قراءة دقيقة في ملفات هؤلاء بدا انهم يواجهون استحالات شعبية او سياسية او حتى معنوية، باستثناء نفر قليل منهم.
ويقول احد المتابعين لبورصة مرشحي المعارضة لـ «الأنباء» ان اهمهم وهو الرئيس عمر كرامي نأى بنفسه عن هذه المهمة لاعتبارات ابرزها انه كان على رأس الحكومة يوم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي فإنه لايرى ملائما لمزاج جمهوره الطرابلسي ان يرأس حكومة في رأس جدول مهماتها التخلي عن المحكمة الدولية المناط بها كشف قاتليه، هذا فضلا عن عدم ضمان الفوز بالترشيح، وبالتالي فقدان امكانية التحالف المطروح بين سعد الحريري ونجله فيصل. الرئيس نجيب ميقاتي وحليفه الطرابلسي محمد الصفدي، اعلنا، وللاعتبارات عينها انهما ليسا في هذا الوارد، اما الآخرون كعبدالرحيم مراد واسامة سعد، فكلاهما سقط في الانتخابات النيابية، وهذا كاف لاخراجهما من السباق، كما أن بهيج طبارة لا يمكن أن يغامر بعلاقته الوطيدة بالسيدة نازك الحريري.
للتكليف لا للتأليف
وتبقى الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة خالة الأمير الوليد بن طلال، الذي زاره سعد الحريري خلال وجوده مؤخرا في الرياض، وهي سيدة خدمات اجتماعية، وتعتبر الاوجه شعبيا في العائلة الصلحية العريقة، لكن البعض يرى أن الازمة اللبنانية الراهنة قد تكون عصية على ذوات الانامل الناعمة والمواقف الوسطية الهادئة.
ومن هذا التقرير يتضح أن حكومة المرحلة تتطلب سعد الحريري مرة أخرى، بحسب مصادر 14 آذار، أما الحكومة الانتقالية، أو حكومة تقطيع الوقت ريثما يصدر القرار الاتهامي المرتقب فقد تكون السيدة ليلى الصلح بالنسبة إليها «حفر وتنزيل» ولو اقتصر الأمر على صدور مرسوم تكليفها دون التأليف، بحيث تمرر مرحلة الاحترام السياسي بأكبر نسبة من الهدوء، وتحصل بالمقابل على لقب «دولة الرئيسة».
وبانتظار المشاورات الرئاسية فإن الغالبية النيابية لاتزال معقودة اللواء لقوى 14 اذار الممثلة بـ 60 نائبا من اصل 128، في مقابل 57 نائبا لقوى 8 آذار، فيما يبلغ عدد اعضاء اللقاء الديموقراطي الذي يرأسه النائب جنبلاط 11 نائبا، وتحتاج المعارضة الى ثمانية نواب اضافيين لتتمكن من توفير الغالبية العادية «النصف زائد واحد» علما ان الاعضاء الـ 11 للقاء منقسمون بين اعضاء حزبيين مع جنبلاط وآخرين ينخرطون مع قوى 14 آذار، الأمر الذي يجعل جنبلاط «كتلة ذهبية» مرجحة اذا تمكن من استمالة الاعضاء الـ 11 في حال قراره الوقوف مع المعارضة الا ان هذا الامر غير مضمون اطلاقا ناهيك عن ان جنبلاط لم يعط اي اشارة الى امكان وقوفه ضد تسمية الحريري.
اما على صعيد محور المعارضة التي تقول مصادرها انها تملك الاكثرية في الخيار الذي ستأخذه، فقد باشرت سلسلة اتصالات مع عدد من النواب المستقلين خصوصا في الشمال، وكذلك مع النائب الزحلي نقولا فتوش سعيا الى استمالتهم.