بيروت ـ عمر حبنجر
تبخر التوافق وانكفأت المساعي وعادت حليمة اللبنانية الى عادتها القديمة، انقسام وتشرذم وضياع في ثنايا المصالح الدولية والمطامح الاقليمية، في غياب ما يضمن أن تبقى التجاذبات الحاصلة في اطارها السياسي والديموقراطي فيما تشهد الارض ترجمات ميدانية تهويلية مع تسارع العد اليومي التنازلي وصولا الى يوم الاثنين المقبل موعد الاستشارات النيابية المؤجلة من الاثنين الماضي لتسمية رئيس الحكومة العتيدة.
الكل مشغول باحتساب الاصوات النيابية، أصوات 14 آذار وأصوات 8 اذار، وما بينهما أصوات كتلة وليد جنبلاط المرجحة، والتي تضم 11 نائبا، هل ستتحول كليا الى صف الثامن من آذار، كما طلبت دمشق من جنبلاط ان يفعل، أم يقسمها الزعيم التقدمي الاشتراكي مناصفة تقريبا بين حلفاء الأمس، وحلفاء اليوم؟ أم يواجه جنبلاط مشكلة في التزام نواب كتلته بتوجيهاته؟
وفي مؤتمره الصحافي الذي انتظره جميع اللبنانيون أكد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، «ثبات حزبه ووقوفه الى جانب سورية والمقاومة»، آملا «أن تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها وأن تبقى بالرغم من الشرخ الذي حدث في لبنان وسيحدث التمسك بالحوار والاحتكام الى المؤسسات والدستور»، مشددا على أن أمن لبنان من أمن سورية ويحسم هوية لبنان العربية ويحدد العدو والصديق، مقدرا ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري خلال كلمته أمس وفقا للمنطق الديموقراطي الذي تتميز به الحياة السياسية اللبنانية، معتبرا أن «أي خروج عن هذا المنطق أو لجوء الى الشارع من هنا أو هناك يزيد التشنج ولا يخدم القضية المركزية في الحفاظ على منجزات المقاومة»، آخذا «بالاعتبار طموحات اللبنانيين في قيام دولة مستقرة ورافضين كل حملات التشهير والازدراء من أي جهة أتت منبّهين مسبقا من الممارسات الكيدية التي اعتمدت سابقا».
جنبلاط وبعد اجتماع «اللقاء الديموقراطي»، اعتبر أن «التسريبات المتنوعة والمتكررة في صحف عربية ودولية تؤكد البعد السياسي المشبوه، ووصول البلاد الى مفترق ومنعطف خطير، وبعد أن أخذت المحكمة الدولية بعدا سياسيا بامتياز، صار يهدد الوحدة الوطنية والأمن القومي».
أداة تخريب
ولفت إلى أنه «وبعد أن تحول مسار المحكمة الدولية ليصبح بمنزلة أداة تخريب، وبعد خروجها عن مسار العدالة لتدخل في بازار السياسة وسوق الابتزاز والابتزاز المضاد، وبما أن المبادرة العربية كانت واضحة كل الوضوح ولا تحتمل أي مناورة وتنص على إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة من خلال الغاء بروتوكول التعاون ووقف التمويل وسحب القضاة، حاول مع كل القيادات اللبنانية للخروج من المأزق»، مضيفا «في الوقت الذي جلت فيه على القيادات للاستيضاح حول المبادرة التي كانت بنودها سرية وبقيت في إطار التشاور الضيّق بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد حدثت الكثير من الوقائع، وبعد أن أيّدت المبادرة العربية لأنها تشكل حلا للأزمة الراهنة وتأكدت من الموافقة عليها من كل الأطراف المعنية وذهبت للقاء الأسد، وفي الطريق أبلغت بأن مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار سيسلّم القرار الظني الاثنين على أن يعلن الثلاثاء رسميا، وأثناء اللقاء مع الأسد اتفقنا على الخروج من الأزمة وتثبيت بنود تلك المبادرة من خلال البيان الوزاري عبر النقاط الآنفة الذكر وهي موجودة ومصدّقة من الأسد ونصرالله والحريري، إضافة الى نقاط أخرى لم يجر الاسترسال في بحثها، آخذين بالاعتبار أن قوى دولية لم تكن لتوافق أو تحبذ أو تقبل بحصول تقارب سوري ـ سعودي يمكن التوصل من خلاله الى تسوية لبنانية ـ لبنانية تردع مفاعيل المحكمة وقرارها الظني السري نظريا والمعلن في كل وسائل الإعلام الأمر الذي ضرب كل مصداقية المحكمة وأكد أنها مسيسة».
المبادرة العربية
وأوضح أنه «في سياق التخريب على المبادرة العربية حصل تزامن مريب ومشبوه بين تسليم القرار الظني وموعد الاستشارات النيابية، وبما أنه لا قيمة لأي سجال جانبي ولا قيمة للحكم على النوايا وفي ظل هذا الجو المشوب بالحذر والشبهات والخطاب البذيء وعطفا على موقفه السابق وتشكيكه بصدقية تلك المحكمة وتأكيدا على تلازم مسار العدالة مع مسار الاستقرار رغم كل الاعتراضات التي واجهته من سفراء من هنا أو مبعوثين من هناك يريدون للمحكمة الدولية أن تكون أداة اقتصاص وابتزاز».
وأكد أن «أي قهر أو قهر مضاد مخالف لأعراف التوافق والتقاليد اللبنانية بعيدا عن الحسابات العددية في الاستشارات وأي محاولة إلغاء لطرف آخر محاولة لا تولد إلا التشرذم، لذلك من الأفضل أن يفسح المجال لتفاعل الأمور بشكل هادئ».
وتابع: «أقول للتاريخ وكي لا أحمّل فوق طاقتي ومن منطلق احترام التقاليد والأعراف اللبنانية ان إجهاض المبادرة العربية هو الذي أدى لاتخاذي هذا الخيار الذي رغم حساسيته آمل أن يشكّل فرصة ومتنفسا لاستعادة الهدوء والاستقرار، أرفض كلام الحريري انه معرّض لاغتيال سياسي، أتفهم بعض الجوانب العاطفية لكن في لبنان أرفض هذا الكلام، وقال أحدهم في المعارضة ان ما قبل القرار شيء وما بعده شيء آخر، أرفض أيضا هذا الكلام».
وشكر الملك عبدالله والرئيس الأسد ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لجهودهم لمعالجة الأزمة السياسية في لبنان، كما أنوّه بجهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، لافتا إلى أنهم سعوا جميعا حتى اللحظات الأخيرة للتوصل الى تسوية.
وبهذا، ومع اتضاح موقف جنبلاط امس أصبح من شبه المؤكد ان طريق قوى الثامن من آذار الدستوري سالك لإيصال مرشحها رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي الى السراي الحكومي، فبعد ان كانت الأكثرية النيابية لفريق 14 آذار المتحالف معه جنبلاط بـ 71 مقعدا، مقابل 57 مقعدا للمعارضة، انقلبت الأوضاع.
ورغم إعلان عدد من كتلة جنبلاط مرارا أنهم سيصوتون الى جانب 14 آذار مهما كان موقف زعيم المختارة وهم «فؤاد السعد وإيلي عون وهنري حلو وانطوان سعد» وقد ينضم إليهم مروان حمادة، إلا أن الحديث عن انتقال النائب نقولا فتوش الى المعارضة بالاضافة الى تصويت النائبين محمد الصفدي ونجيب ميقاتي بورقتين بيضاوين كي لا يحرجا في طرابلس ترجح فوز المعارضة بالحكومة، حيث يكون لهم في المحصلة 65 صوتا مقابل 61 لـ 14 آذار.