تسارعت الأحداث الأمنية امس مع تحول الاعتصامات والمظاهرات المؤيدة لرئيس حكومة السابق سعد الحريري الى أعمال عنف في معظم مناطق نفوذ تيار المستقبل وبالأخص مدينة طرابلس مسقط رأس الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
وفيما انتهت كلمات قياديي ونواب المستقبل في المهرجانات التي دعوا إليها في طرابلس والبقاع وبيروت وإقليم الخروب صباح امس حتى بدأ المتظاهرون بحرق الإطارات وإقفال الشوارع الرئيسية والطرقات الفرعية وتطورت الى إحراق سيارة تابعة لقناة الجزيرة وإحراق مكتب تابع للوزير السابق محمد الصفدي بالإضافة الى معلومات عن إطلاق النار في بعض المناطق اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت.
وفي هذا الإطار حذرت مصادر متابعة من دخول طابور خامس على خط أعمال العنف لإشعال الفتنة بين اللبنانيين ان لم تنته على الفور.
مظاهر الشغب
في هذا الوقت، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري رفضه الكامل لكل مظاهر الشغب والخروج عن القانون التي «شوّهت الأهداف الوطنية النبيلة للتحركات الاحتجاجية» على الاستشارات النيابية، مؤكدا ان «الغضب لا يصح أن يكون بقطع الطرقات وإحراق الدواليب والتعدي على حرية الآخرين».
كما أعرب الحريري عن أسفه للهجوم على فريق عمل قناة «الجزيرة» وأعمال الشغب ضد القوى العسكرية والأمنية، مناشدا الأهل «التزام أعلى درجات الهدوء والحذر والتنبه لمخاطر الانزلاق وراء بعض الدعوات المشبوهة».
واعتبر الحريري في رسالة وجهها الى اللبنانيين ان «طرابلس قالت كلمتها وهناك من أراد أن تحترق هذه الكلمة بعمل مشبوه، كونوا حذرين فليس هدفنا ولا هدفكم أن نكون في السلطة أو أن نعود الى رئاسة الحكومة وقد سبق وقلت ان كرامة المواطنين هي عندي أغلى من السلطة»، مؤكدا ان «هدفنا دائما أن نحمي الدولة وخطنا السياسي والسلم الأهلي».
وتوجه الحريري الى مناصريه بالقول: «ندائي اليكم وطني بامتياز، ولن يكون في يوم من الأيام نداء مذهبيا، والخطاب الوطني يجب أن يعلو فوق كل خطاب خصوصا عندما يصل الغضب الى الذروة، وأنتم اليوم شعب غاب ولكن شعب مسؤول عن سلامة الحياة المشتركة بين اللبنانيين»، لافتا الى انه «أتفهم مشاعركم اليوم وصرخات غضبكم ولكن لا يجوز لهذا الغضب أن يقودنا الى ما يخالف قيمنا وتربيتنا وعقيدتنا وايماننا بأن الديموقراطية هي ملجأنا ووسيلتنا التي لا غنى عنها في التعبير عن موقفنا السياسي».
الاحتكام للمؤسسات والدستور
من جانبه، أعرب رئيس «جبهة النضال» النائب وليد جنبلاط عن بالغ استيائه مما حصل من تحركات في الشارع من قبل أنصار رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، مستغربا أن هذه التحركات تناقض ما سبق ونادى به الحريري نفسه لناحية الاحتكام إلى المؤسسات والدستور والقبول بنتائج اللعبة الديموقراطية ورفض لغة الشارع.
ولفت جنبلاط الى أن ما جرى يخالف كل ما قاله، ولا أعرف لماذا هذا التناقض، معربا عن اعتقاده أنه ليس هناك أي معنى لكل هذه التحركات ولا فائدة منها، خصوصا أن الحريري هو أول من استنكر النزول الى الشارع وأعلن مرارا أنه ضد اللجوء الى الشارع، فما الذي حصل؟.
وردا على سؤال عما اذا كانت هذه التحركات ستؤثر على الجولة الثانية من الاستشارات أو تؤدي الى الغائها، استبعد جنبلاط ذلك، الا أنه أكد أن هناك مسؤولية كبرى على الحريري لناحية وقف ما يجري، وبالتالي التوجه الى أنصاره للقبول بنتائج اللعبة الديموقراطية، ولندخل جميعا في محاولة انتاج حكومة انقاذية جديدة تحمي البلد وامنه واستقراره، فلا احد يريد الغاء احد ولا احد يستطيع الغاء احد.
وشدد جنبلاط على أن الشارع هو سلاح قاتل ونتائجه الكارثية لن تقتصر على فريق دون آخر، ويجب ان يكون معلوما ان الشارع يلغي الجميع.
وأعرب جنبلاط عن اعتقاده بأن الحريري واع لخطورة ما يجري وهو الذي دعا الى الاحتكام الى اللعبة الديموقراطية، وعليه مسؤولية كبرى عليه حماية السلم والمؤسسات، متمنيا عليه أن يكون في مستوى المسؤولية كما كان دائما، وأن يعمل على اخراج الناس من هذا التشنج، فالرجال الكبار يظهرون كبارا في المراحل الصعبة حينما يقبلون بالتسوية ولبنان محكوم بالتسويات.
استنكار
بدوره قال النائب سمير الجسر خلال اعتصام طرابلس ان الفريق الآخر اي المعارضة «انقلب على مقررات مجلس الوزراء فيما خص تمويل المحكمة»، متوجها الى ميقاتي بالقول «عد الى موقعك الطبيعي الى حيث تنتمي وانهم يخبئون لك من الطلبات ما لن تستطيع تلبيته».
من جهته، قال النائب جمال الجراح في اعتصام أقيم في البقاع «سيسقط هذا المشروع الانقلاني وسيعود الحريري رئيسا لحكومة لبنان».
وأضاف «نريد حكومة تحافظ على المحكمة الدولية»، مؤكدا ان «جمهور المستقبل سيسقط هذا الانقلاب».
أما النائب عمــاد الحوت ممثل الجماعة الإسـلامية فقال في تصريح للصحافيين ان «ما يحصل هو ردة فعل للشارع»، مشددا على ضرورة ان تكون الاحتجاجات «تـحـت سقف السلم الأهلي والحفاظ على الأمن».
اعتداء على طاقم «الجزيرة» بطرابلس وإحراق سيارتهم
تمكن فريق الجزيرة في مدينة طرابلس شمال لبنان من الخروج بسلام بعدما حاصرهم متظاهرون غاضبون في مبنى، وأشعلوا النار في مدخل المبنى إثر إحراقهم سيارة البث الخاصة بالمحطة. ووصف المراسل ماجد عبدالهادي - الذي كان من بين المحاصرين - الوضع الذي مر به فريق الجزيرة والأطقم الصحافية الأخرى بالخطير جدا، حيث أطلق النار بالهواء أثناء مغادرة مبنى كانوا محاصرين بداخله.
وأشار المراسل إلى أن فريق الجزيرة والصحافيين الآخرين غادروا المبنى بعدما أضرم مئات المحتجين النار بمدخل المبنى واقتحموه، حيث استغل الصحافيون جموع المتظاهرين للخروج من خلالهم وبعدما يئسوا من تلبية الجيش لنداء الاستغاثة لما بين عشرة و15 صحافيا معظمهم من الجزيرة حوصروا داخل المبنى.
وكان الصحافيون قد لجأوا إلى مبنى وسط ساحة المنارة في طرابلس بعدما حطم المتظاهرون سيارة البث الخاصة بالجزيرة ثم أحرقوها، وإثر ذلك وعد الجيش – وفق ما ذكرت مراسلة الجزيرة سلام خضر - بإرسال فرقة من المغاوير لإنقاذ فريق الجزيرة والصحافيين لكن ذلك لم يتم. وأكد مراسل الجزيرة ماجد عبدالهادي أنه رغم قرب الجيش من المكان لم يتحرك لإنقاذ الصحافيين الذين غامروا بالخروج ضمن جموع المتظاهرين، مشيرا إلى أن طاقم الجزيرة بخير.
وفيما اعلن نائب طرابلس وعضو كتلة المستقبل سمير الجسر استنكاره لاستهداف «الجزيرة» أعرب النائب نجيب ميقاتي - الذي حصل على أغلب الأصوات ليكون رئيس الوزراء المكلف - في اتصال مع الجزيرة عن أسفه لما حصل لطاقم الجزيرة والاعتداء عليه وعلى صحافيين آخرين.