هل ما شهده الشارع السني من انتفاضة شعبية لم تخل من أعمال عنف وشغب وفوضى «فورة غضب» و«فشة خلق» وانتهت عند هذا الحد أم انه بداية مرحلة جديدة على الأرض في موازاة مرحلة سياسية جديدة تفرض تغييرا في نمط التعاطي بعد انتقال تيار المستقبل وحلفائه الى المعارضة؟
تفيد المعطيات والمؤشرات السياسية بأن تيار المستقبل الذي فاجأه «الانقلاب السياسي» ـ كما سماه ـ ومن حيث لا يتوقع حدد «الاطار العام» لموقفه وتوجهه السياسي للمرحلة المقبلة في النقاط التالية:
1 ـ مواصلة الحركة الاعتراضية الشعبية ولكن بأشكال وطرق جديدة «سلمية وحضارية» تلغي كل مظاهر العنف والشغب والتطرف، فما حدث حرف التحرك عن هدفه الأساسي وحوّل الأنظار في اتجاه ممارسات شارعية غوغائية ألحقت الضرر بصورة تيار المستقبل الذي بدا متورطا فيما لا يريد أو مستدرجا الى «الشارع» الذي ليس هو ملعبه ولا «نقطة قوته». واذا كان ما حصل تبرره الانفعالات ومشاعر القهر والاحباط والغضب التي انفجرت مرة واحدة، فإن الاستمرار به ينطوي على مخاطر كثيرة بعدما أظهرت وقائع يوم الغضب ان الشارع قابل للخروج عن السيطرة ولانفلات الغرائز ولدخول جهات متضررة ومندسة، وان من يحرك الشارع ليس هو بالضرورة من يقوده، والغلبة ستكون للتطرف ولا مكان للاعتدال.
2 ـ الاستمرار في الحركة الاعتراضية على الأرض وحتى 14 فبراير (ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) كسقف زمني، يهدف الى مواصلة الضغوط على الرئيس نجيب ميقاتي لثنيه عن الاستمرار في عملية التأليف وحمله على «الاعتذار» أو لتقييده بجملة أوضاع وشروط وجعل مهمته صعبة وفاشلة.
3 ـ رفض المشاركة في الحكومة الجديدة برئاسة ميقاتي أيا تكن العروض والعناوين الجذابة، سواء عرض على «المعارضة الجديدة» الثلث المعطل كما قال النائب سليمان فرنجية، أو كانت حكومة شراكة وطنية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب كما أعلن السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
الرئيس سعد الحريري وفريقه يلزمه وقت كي يعتاد على فكرة انه أصبح خارج الحكم، وهو سيتقبل «على مضض» الواقع الجديد، لا بل سيكتشف انه بالغ في ردة فعله، وانه خارج الحكومة سيكون أكثر ارتياحا ومتحررا من عبء المواقف والالتزامات في قضايا وملفات حساسة، وانه صار في حل من أي التزام ومسؤولية، وان «كرة النار» خرجت من يديه. مثلما فوجئ الحريري بانقلاب لم يكن يتوقعه بهذه السرعة وهذه الطريقة «الدستورية»، فوجئ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بردة فعل الحريري وحجمها وترجمتها في الشارع بأشكال «العنف السياسي». لم يكن الرئيس ميقاتي الذي طرح نفسه حلا وسطا يعتقد انه سيكون مرفوضا بالكامل ويتم التعاطي معه مثل كرامي «مرشحا لحزب الله والمعارضة»، ولم يكن ميقاتي الذي طرح نفسه «مرشح تسوية» وتقدم الى مهمة اعتقدها «انقاذية» لإخراج الحريري والبلد من مأزق المحكمة والطريق المسدود، لم يكن يتصور انه سيصبح مدخلا الى مشكلة أكبر بدل ان يكون جزءا من الحل، ولم يكن ميقاتي وهو «المتعصب» لطائفته وسنيته المبادر الى الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها كل مرة حصل تعرض أو مس بها، ليتوقع ان تشن ضده حملة تشكيك وتشهير وتخوين ويتم تصويره كـ «منبوذ» من طائفته وخارج عليها. باختصار، لم يكن ميقاتي يتوقع كل هذه المعاملة الفظة بعد كل الخدمات التي أسداها الى الحريري منذ العام 2005 عندما تولى لأشهر حكومة انتقالية أطلقت مسار التحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ووضعت حجر الأساس في مدماك السلطة الجديدة مع تعيين مدير عام الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي والمدعي العام القاضي سعيد ميرزا وغيرهما.
وفق معطيات ومؤشرات أولية، يمكن تقدير موقف الرئيس ميقاتي وخياراته للمرحلة المقبلة واختصارها في نقطتين:
ـ الأولى: سياسة انفتاح وحوار ويد ممدودة في اتجاه الرئيس سعد الحريري والرهان على مراجعة حساباته وموقفه المتشدد لأن رغبة التفاهم والتعاون معه موجودة، مع ما تعنيه هذه السياسة من تجديد عرض المشاركة في الحكومة والتشديد عليه، ومن التزام ولو من طرف واحد ومن دون مقابل بعدم الانتقام والكيدية وعدم الانخراط في أي مخطط أو توجه لتصفية «الحريرية» في السلطة والحكم.
ـ الثانية: سياسة تشدد في كل ما له علاقة بحقوق ومصالح ودور الطائفة السنية ورئاسة الحكومة، حيث من المتوقع ان يبرهن ميقاتي بدءا من التشكيلة الحكومية الجديدة الى القضايا والملفات الخلافية وأولها قضية المحكمة الدولية، عن استقلالية وتمايز وان له رأيا وموقفا، يدفعه الى ذلك ويساعده في ذلك عاملان:
ـ ان ميقاتي هو من بادر الى ترشيح نفسه ولم تبادر المعارضة الى ترشيحه انما أيدت ترشيحه ومشت به بعدما وجدت ان خيار عمر آرامي مكلف وغير مناسب في هذه المرحلة، وبالتالي يشكل ميقاتي حاجة للمعارضة بقدر ما تشكل المعارضة سندا ورافعة له ويتمتع تبعا لذلك بهامش حركة وقرار لم يكونا ليتوافرا عند كرامي.
ـ ان ميقاتي الذي حوصر بحالة سنية رافضة له ومشككة به سيرد على هذه الحملة بمواقف وسياسة تثبت العكس، وان القائمين بهذه الحملة الظالمة سيكتشفون عاجلا أم آجلا انهم كانوا على خطأ في نظرتهم اليه وفي تقديرهم للظروف التي حملته الى رئاسة الحكومة وتسببوا في تضليل الشارع والرأي العام.