حسم الرئيس سعد الحريري وفريقه خياراته السياسية لمرحلة ما بعد خروجه من رئاسة الحكومة بأن قرر الانتقال نهائيا الى صفوف المعارضة ووضع خريطة طريق سياسية جديدة على هذا الأساس، وأن باشر بوضع مقولة «ما بعد الاستشارات لن يكون مثل ما قبلها» موضع التنفيذ الفوري عبر مذكرة الشروط الخطية التي رفعتها كتلة المستقبل الى الرئيس نجيب ميقاتي بسقف سياسي مرتفع مطالبة إياه بإجابة خطية حول مسألتين أساسيتين: هل يلتزم بعدم الموافقة على فك التزام لبنان بالمحكمة الخاصة بلبنان؟ وهل يلتزم بوضع خطة زمنية لجمع السلاح من كل الأراضي اللبنانية بدءا من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟
واضح ان الرئيس الحريري عبر هذه المذكرة يعلن القطيعة والخصومة مع الرئيس ميقاتي وسلوكه طريق «المعارضة السياسية الشرسة»، وانه بات في حل من أي التزام وموقف في موضوعي المحكمة الدولية وسلاح المقاومة، وان ما جرى في الفترة السابقة من مفاوضات وما طرح من أفكار لم يعد قائما.
مما لا شك فيه ان الرئيس ميقاتي يواجه ضغوطا سياسية هائلة ومن داخل طائفته أولا، ولكنه بعد احتواء وامتصاص الموجة الأولى الشعبية والشارعية وهي الأخطر والأصعب، وبعد انقشاع الرؤية الدولية والاقليمية عن بداية اعتراف بالواقع الجديد والتكيف معه وإعطائه فرصة، فإن ميقاتي يدخل عملية التأليف في ظل أوضاع مريحة قياسا الى ما كانت عليه ظروف التكليف.فالضغوط المتأتية من تيار المستقبل تنطوي على ايجابية في انها تخدم الرئيس المكلف وتعزز موقعه التفاوضي في عملية التأليف وتتيح له هامشا أوسع في الاختيار والتقرير وتحث فريق 8 آذار على إعطائه تسهيلات مراعاة لوضعه وتمكينا له في مواجهة الضغوط واستيعابها وتهدئة الوضع على الساحة السنية.
في ظل «ضغوط الخصوم وتسهيلات الحلفاء» يمضي الرئيس ميقاتي سريعا في بلورة التشكيلة الحكومية وسط »فيض» من الأفكار والمقترحات وتداول مبكر في الأسماء والحقائب، وأبرز المعطيات المتوافرة في هذا المجال:
1 ـ ثمة تجاذب حول وزارة المالية: الرئيس ميقاتي يريدها اثباتا لعدم التفريط في أبرز موقع وزاري للطائفة السنية (يرشح لها الوزير الصفدي)، والرئيس نبيه بري يتطلع اليها لأنها اللحظة المناسبة لاستحداث عرف جديد يعطي وزارة التوقيع على كل المراسيم للطائفة الشيعية (من المرشحين للمال النائب ياسين جابر)، والعماد ميشال عون يطمح الى وزارة المال أيضا كونها أو بحجة انها مفتاح الاصلاح ومحاربة الفساد (من المرشحين الوزير شربل نحاس).
2 ـ ثمة توجه الى إعطاء النائب وليد جنبلاط وضعا متقدما في الحكومة تقديرا له على دوره الحاسم في نقل الأكثرية من مكان الى آخر، وهذه المكافأة تكون بإعطاء وزارة سيادية للطائفة الدرزية (على الأرجح وزارة الدفاع للوزير طلال ارسلان)، وبإعطاء جنبلاط ثلاثة وزراء (اثنان درزيان العريضي وأبو فاعور ومسيحي نعمة طعمة).
3 ـ الرئيس ميشال سليمان الذي يمسك في يده ورقة تشكيل الحكومة، وحيث ان التوقيع على مرسوم التأليف يكاد يكون الصلاحية الفعلية الوحيدة المتبقية في يد رئيس الجمهورية، ستكون له حصة وزارية وازنة، ولكن من دون تتمات وملاحق أو ودائع، ولائحة وزراء الرئيس» تضم أسماء عدة أبرزها: ناجي البستاني ووسام بارودي.
4 ـ الرئيس نبيه بري اذا لم يستطع ان «يصل» الى «المالية» يكتفي بالخارجية لـ(علي حمدان أو علي حسن خليل)، وسيحاول التجديد للوزير محمد جواد خليفة في وزارة الصحة التي عين النائب سليمان فرنجية عليها اذا لم يعد الى وزارة الداخلية، الوزارة التي كان يتولاها في آخر حكومات المرحلة السابقة، مرحلة ما قبل 2005.
5 ـ العماد ميشال عون يريد ثلاث وزارات سيادية (المالية اذا كان ذلك ممكنا لـ «نحاس») والاتصالات (جبران باسيل) والعدل (شكيب قرطباوي)، ولا يهمه الباقي.
6 ـ التمثيل الأرثوذكسي يعاني شغورا وغياب مركز الثقل مع خروج «آل المر» من الحكم، وهناك تداول بفكرة الاستعانة بـ «عصام فارس».
7 ـ التمثيل السني سيكون موزعا بين طرابلس (ميقاتي والصفدي وفيصل كرامي (لـ «البيئة») وبيروت (ليلى الصلح وعدنان القصار) وصيدا (عبدالرحمن البزري).
8 ـ حزب الله سيدخل الحكومة في شكل غير مباشر ومموه عبر وزراء أصدقاء ومقربين أولهم عدنان السيد حسين.