بيروت ـ عمر حبنجر والوكالات
اللقاء الاسلامي الرفيع في دار الفتوى رسم سقفا لحراك رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي على مستويي المواقف والتأليف، وبعد القراءات والتحاليل بقي السؤال عالقا حول كيفية ترجمة بنود هذا البيان، عمليا، في خضم محاولات تدوين الزوايا وردم النتوءات بين أطراف الصف الواحد خصوصا بعد تعاظم الاختلافات حول الحقائب الوزارية والأسماء. الرئيس ميقاتي قال انه لايزال يسعى لحكومة «لمّ الشمل» وانه لم يعط مهلة معينة لولادة الحكومة، وردا على سؤال حول الاعلان انه لن يتقدم بأجوبة حول الأسئلة التي طرحتها كتلة المستقبل، قال ميقاتي انه كان واضحا منذ البداية بأنه لن يعطي التزامات لأي فريق.
وقالت مصادر ميقاتي ردا على تساؤلات تناولت موافقته على بيان اجتماع دار الفتوى انه وافق على البيان رغم تحفظه على القراءة السياسية المجتزأة الواردة فيه، انما شارك من موقع الحرص على وحدة الصف الاسلامي بالدرجة الأولى وبالتالي الوحدة الوطنية.
وكان الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي انتقد مشاركة ميقاتي في اجتماع دار الفتوى. وقال ان هدف هذا الاجتماع الزام ميقاتي بتعهدات ما، وتساءل كيف سيفي او يخرج من مضمون هذا البيان.
كرامي الذي غاب عن الاجتماع قال لصحيفة «السفير»: إذا كان القاضي راضيا ماذا نفعل؟
بدوره، شن الشيخ زهير جعيد مسؤول جبهة العمل الاسلامي السنية الموالية لحزب الله حملة على اجتماع دار الفتوى وعلى المفتي قباني شخصيا، بداعي تآمره على الطائفة السنية من خلال اصداره البيان الذي ادعى الجعيد انه يؤكد على استمرار المشروع المستهدف للمقاومة وعلى محكمة التزييف والخداع الدولية، وقال ان لقاء دار الفتوى هو محاولة لفرض شروط تعجيزية على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
ولكن ايا تكن ردود فعل المؤيدين والمعارضين فاللقاء السني الموسع اوحى باعلان حالة الطوارئ داخل الطائفة. فمنذ العام 1975 وحتى العام 1990، تاريخ إعلان اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية وأعاد توزيع السلطة في لبنان لمصلحة رئاسة الحكومة، حصل «استنفار في الطائفة السنية ثلاث مرات: المرة الأولى عام 1976 عندما تم تكليف شخصية سنية طرابلسية «مغمورة» النائب أمين الحافظ لرئاسة الحكومة في عهد الرئيس سليمان فرنجية، وحصل رد فوري من ممثلي الطوائف الإسلامية الذين اجتمعوا بحضور وزير الخارجية السوري آنذاك عبدالحليم خدام ورفعوا الغطاء عن الحافظ باعتباره لا يمثل طائفته والمسلمين وانتهى به الأمر ان سقط سريعا ولم يمكث في رئاسة الحكومة الا أياما، والمرة الثانية في العام 1983 عندما عقدت قمة اسلامية في عرمون برئاسة المفتي حسن خالد بعد الاجتياح الاسرائيلي واتفاقية 17 مايو في عهد الرئيس أمين الجميل وصدرت وثيقة ثوابت اسلامية كانت كافية لمحاصرة حكومة الرئيس شفيق الوزان وإخضاعها لسقف سياسي محدد، والمرة الثالثة في العام 1987 بعد اغتيال الرئيس رشيد كرامي ومبادرة المجلس الشرعي الاسلامي الى إصدار توصية ملزمة بتسمية الرئيس سليم الحص.
بعد العام 1990 في مرحلة ما بعد الطائف، شهدت الطائفة السنية استقرارا وازدهارا في ظل رئاسة رفيق الحريري ومشروعه السياسي الاقتصادي، الى ان حدث زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي فجر اغتياله موجة غضب في الطائفة السنية وحدثت فيها تحولات سياسية عميقة، والآن تشهد الطائفة السنية حركة استنفار للمشاعر والمواقف لم تبلغ هذا الحجم والمستوى حتى بعد أحداث 7 مايو 2008، وانعقاد اجتماع واسع في دار الفتوى كما شهدناه امس الاول كان استثنائيا في شكله مع وجود كل القيادات السنية الدينية والسياسية (باستثناء الرئيس عمر كرامي الذي قاطع لأسباب شخصية تتعلق بموقفه من المفتي قباني والرئيسين الحص والصلح لأسباب صحية)، واستثنائيا في توقيته في خضم عملية تشكيل الحكومة الجديدة وعملية انتقال السلطة بين فريقين سياسيين في لبنان وبين رئيسي حكومة في الطائفة السنية، واستثنائي في مضمونه الذي عكس حال الإحباط والقهر والشكوى عند السنة والتي تذكر بحالة مماثلة عاشها الموارنة في بداية التسعينيات عندما قاطعوا الانتخابات والحكم والدولة وخرج قادتهم من الحياة السياسية.
السؤال الذي طرحه اجتماع دار الفتوى: من المستفيد سياسيا من هذا الاجتماع، ومن استوعب الآخر: ميقاتي أم الحريري؟
مما لا شك فيه ان الاجتماع يندرج في سياق خطة موضوعة لمحاصرة الرئيس ميقاتي سياسيا والضغط عليه اما لدفعه الى الاعتذار والانسحاب ومن خلفية ان سقوط ميقاتي يعني عودة الحريري، واما لحشره بمطالب حكومية وسياسية من شأنها تعقيد مهمته وادخاله في مشكلة مع حلفائه في فريق 8 آذار الذي دعم وصوله الى رئاسة الحكومة، ثمة حرب سياسية مفتوحة على ميقاتي بدأت مع مذكرة الشروط الخطية أثناء استشارات التأليف وتوجت باجتماع ووثيقة دار الفتوى، ولكن ميقاتي أثبت مرونة سياسية وقدرة «استيعاب والتفاف» ونجح في تحويل اجتماع دار الفتوى من اجتماع ضده الى اجتماع «معه»، وفي تهدئة اللعبة والخواطر السياسية بعدما نجح في تهدئة «غضب الشارع»، خرج ميقاتي من الاجتماع مقيدا بتنازلات سياسية قدمها عندما وافق على الوثيقة متجاوزا تحفظات لديه على بعض بنودها، حيث سيضطر بعدها الى إعادة خلط أوراق التشكيلة الحكومية والقيام بمحاولة جديدة لتوسيع قاعدتها السياسية والتمثيلية.
أسئلة كثيرة تطرح الآن: هل تقابل مرونة ميقاتي بالمثل وتتوقف الحملة عليه أم تتواصل؟ وهل تواصلها يؤدي الى مزيد من التنازلات من قبل ميقاتي، أم الى ارتمائه في أحضان الحلفاء الجدد أكثر؟ وهل ما يتعرض له ميقاتي من ضغوط يساعده في تحسين شروطه التفاوضية بشأن الحكومة والحصول أكثر على تفهم لوضعه ومراعاة لظروفه، أم ان ما يظهره ميقاتي من مراعاة ومسايرة يثير حفيظة و«نقزة» حلفائه؟