لماذا هدد نصرالله بـ «معادلة الجليل»؟ حمل مهرجان حزب الله قبل يومين في الضاحية الجنوبية، في ذكرى قادته الشهداء مفاجأتين: الأولى من العيار الخفيف «مقارنة مع الثانية» وتمثلت في إظهار المسؤول سامي شهاب (واسمه الحقيقي محمد منصور) الذي كان في السجون المصرية متهما بقيادة خلية أمنية لحزب الله في مصر و«تحرر» خلال الثورة الشعبية وحالة الفوضى العارمة، وكانت رسالة حزب الله من خلال تكريم «شهاب» وإحلاله ضيف شرف في المهرجان هي التأكيد مجددا على ان الحزب ليس من النوع الذي يترك أسراه في السجون وانه لا يعدم وسيلة لتحريرهم، وأيضا التذكير من خلال ذلك انه لا يترك شهداءه من دون انتقام لهم، وهذه الرسالة وصلت الى الإسرائيليين والجنرالات منهم خصوصا الذين دعاهم نصرالله الى «تحسس رؤوسهم» حيثما ذهبوا في العالم، أما المفاجأة الثانية فكانت من العيار الثقيل عندما أطلق السيد حسن نصرالله تهديدا واضحا وحازما بالسيطرة على منطقة الجليل شمال اسرائيل اذا هاجمت اسرائيل لبنان.
وهذا التهديد ينطوي على تحول نوعي في قواعد اللعبة والصراع المفتوح بين اسرائيل وحزب الله الذي رفع مرة جديدة سقف «توازن الرعب والردع»، وبعدما كان هذا التوازن قائما على السلاح الصاروخي والرد الكثيف في العمق الإسرائيلي وصولا حتى تل أبيب ووفق معادلة «تل أبيب مقابل بيروت والضاحية» و«مطار بن غوريون مقابل مطار رفيق الحريري»، فإن توازن الرعب والردع انتقل من المعادلة الصاروخية الى المعادلة البرية ومن الجو الى الأرض مع الإعلان ان أي اجتياح إسرائيلي جديد للبنان سيرد عليه حزب الله بالدخول الى الأراضي الإسرائيلية أي الى منطقة الجليل التي تضم مدنا بارزة مثل نهاريا وكريات شمونة وصفد وشلومي وصولا حتى الناصرة وتعتبر «القبلة السياحية» في اسرائيل ومنتجعا للاسرائيليين في اجازاتهم.
هذا التهديد هو بالدرجة الأولى رد مباشر على تهديدات ايهود باراك الذي جال قبل يوم واحد من مهرجان حزب الله، مع رئيس الأركان الجديد للجيش الاسرائيلي «بني غانتس» على الحدود الاسرائيلية ـ اللبنانية وحذر من هناك «ان الوضع قد يتدهور، وان الجنود قد يستدعون مرة أخرى للدخول الى لبنان»، وبدت زيارة باراك وغانتس رسالة واضحة الى حزب الله الذي تعامل مع هذا التهديد بجدية في ضوء المتغيرات والتحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة وتضع اسرائيل في «ضائقة استراتيجية».
وفي ظل هذا الوضع المضطرب من حولها الذي يحاصرها ويضيق عليها الخناق من كل الجهات، وفي ظل انسداد عملية السلام على خلفية توتر وتباين بين حكومة نتنياهو وادارة أوباما، فإن لجوء اسرائيل الى «الخيار العسكري» لكسر حدة هذا «المأزق الاستراتيجي» يصبح واردا وتصبح الساحة اللبنانية مرشحة جديا في هذه المرحلة لتكون متنفسا للوضع الضاغط وساحة تصدير للمشكلة الاسرائيلية الداخلية مع دخول حكومة نتنياهو في مرحلة اهتزاز وترنح، فالضربة العسكرية الاسرائيلية ضد إيران غير واردة لأسباب «تقنية وسياسية» خصوصا في ظل انتعاش الرهان على اضطرابات وانقسامات داخلية، في حين ان الحرب توحد الايرانيين، كما ان ضرب غزة لا يبدو خيارا ملائما في ظل وضع انتقالي في مصر ووضع فوضوي في سيناء مفتوح على غزة ووضع هش تجتازه السلطة الفلسطينية.
حزب الله ذهب في تهديده إلى الحد الأقصى ملوحا بمعادلة الجليل والرد على الاجتياح باجتياح «أيا كان شكله وحجمه» لأنه يرى ان التهديد الإسرائيلي جدي للغاية وان المسألة مسألة وقت لأن إسرائيل تتحين الفرصة المناسبة لكي تضرب ضربتها، وهذا التوقيت ينتظر أمرين: صدور القرار الظني وقيام الحكومة الجديدة التي تصنفها من الآن حكومة حزب الله، وكلا التطوران يساهمان في تعميق الأزمة والانقسامات الداخلية في لبنان.