التفسير المعطى للتأخر الحاصل في تشكيل الحكومة مع ان التأليف مازال ضمن المهلة الطبيعية والمعقولة يربطه بـ «حالة انتظارية» عامة: انتظار صدور القرار الظني، انتظار تظاهرة 14 آذار، انتظار زيارة الرئيس الأسد الى السعودية وما ستؤول اليه عملية التنسيق حول لبنان، انتظار جلاء الأوضاع في المنطقة العربية ومسارها الانقلابي. هذا من دون اغفال العقد والمشاكل الداخلية والمتصلة بتركيبة الحكومة والحصص والحقائب وبمهام الحكومة وبرنامجها السياسي والسلطوي. وبالتالي لا يمكن الحديث عن سبب معين يؤخر قيام الحكومة، وانما عن جملة أسباب وعوامل مجتمعة تدفع في اتجاه التأجيل لأسابيع اضافية يجري خلالها تحديد وحسم المسائل الأربع الأساسية التالية:
1 - موقف 14 آذار من حكومة ميقاتي لناحية المشاركة أو عدمها. فإذا كان الموقف السياسي قد اتخذ وظهرت في اتجاهه مؤشرات كثيرة كان أبرزها «خطاب البيال» والكلام عن «أجوبة غامضة وغير كافية» من ميقاتي ردا على الأسئلة التي وجهت اليه وعن عدم تجاوب الأكثرية الجديدة مع مطالب الثلث المعطل. فإن الموقف الرسمي لم يصدر حتى الآن ولكن من المتوقع صدوره في غضون أيام وفي اتجاه عدم المشاركة والانتقال الى المعارضة السياسية والشعبية.
2- العلاقة الناشئة بين الرئيس ميقاتي وفريق 8 آذار والتي تحتاج الى ان تتركز على أسس واضحة وثابتة، فالرئيس ميقاتي لم يأت من «صلب» هذا الفريق وانما كان منتميا الى الأكثرية النيابية المنبثقة عن انتخابات 2009 وثمة اشكالية تحيط بعلاقته مع هذا الفريق وتحديدا مع تحالف «عون ـ حزب الله» وتباين في النظرة الى الأمور: هذا التحالف يعتبر انه هو من أوصل ميقاتي الى رئاسة الحكومة وان عليه ان يتصرف وفق مقتضيات الواقع السياسي الجديد والا يتردد في تشكيل حكومة تمثل الأكثرية الجديدة اذا كان الفريق الآخر يشترط للمشاركة شروطا غير مقبولة تتعلق بموضوعي المحكمة والسلاح. وفي المقابل فإن الرئيس ميقاتي يتصرف من خلفية انه آت من موقع وسطي وبمهمة انقاذ وطني بعدما كان الوضع بلغ الطريق المسدود وحافة الانهيار. كما يستند ميقاتي الى مبادئ وقناعات بحكم موقفه وفي أولها حرصه الشديد على اتفاق الطائف وكل ما يتصل بصلاحيات رئاسة الحكومة ودورها، وحرصه على الوجه الدولي للبنان من خلال علاقاته والتزاماته الدولية، وبالتالي ليس هناك ما يوحي عند ميقاتي بانه آت بمهمة تغطية عملية انتقال السلطة من فريق الى آخر أو لترؤس «حكومة 8 آذار».
ويعول على توازن سياسي معقول يتم تأمينه من خلال علاقة تنسيق وتعاون مع الرئيس ميشال سليمان ومن خلال كتلة وسطية وازنة في الحكومة تجمعه مع سليمان وجنبلاط. والمفارقة هنا ان تحالف «عون ـ حزب الله» لا يحتسب جنبلاط من حصته عندما يتحدث عن صيغة 10/20.
3 - العلاقة المتوترة والمتفجرة بين الرئيس ميشال سليمان والعماد ميشال عون.
وهذا التوتر الشديد بغض النظر عن أسبابه الماضية وآفاقه المستقبلية، يساهم في تعقيد مسألة التمثيل المسيحي الذي انحصر عمليا بين الرجلين بفعل انسحاب «مسيحيي 14 آذار». وبالتالي يصبح من الصعب جدا ان يحدث تقدم في تشكيل الحكومة ما لم يتم احتواء خلاف عون ـ سليمان بما يؤدي الى حل العقدة المسيحية في الحكومة بدءا من عقدة وزارة الداخلية التي تكفل ميقاتي بإيجاد حل وسط لها، الى عقدة الحجم التمثيلي (حصة) لعون في الحكومة والتي تكفل بري بإيجاد حل لها بمقارنتها بتمثيل حزب الله وأمل (6 مقاعد وزارية لـ 27 مقعدا نيابيا).
4- موقف سورية التي تقول انها لا تتدخل في تشكيل الحكومة وهي تمتنع فعلا عن التدخل لأنها لا ترى ان هناك مشاكل كبيرة تستدعي مثل هذا التدخل، ولا ترى ان الوقت قد حان لمثل هذا التدخل. وباختصار، ان دمشق التي في يدها مفتاح الحكومة اللبنانية تنتظر أولا نتائج حوارها الجاري مع واشنطن خلف الغبار السياسي الكثيف المثار في لبنان، وتنتظر ثانيا تطور علاقاتها واتصالاتها مع المملكة السعودية. وتنتظر ثالثا جلاء الوضع في المنطقة المفتوح على تطورات كبيرة واستراتيجية لم تكن في الحسبان.