في العام 1986 دعي مجلس المطارنة الموارنة كمجلس انتخابي لانتخاب بطريرك جديد خلفا للبطريرك مار أنطونيوس بطرس خريش الذي استقال لأسباب سياسية أكثر منها صحية.
عملية الانتخابات كانت صعبة ودارت بين مرشحين بارزين: المدبر الرسولي المعين من الفاتيكان المطران ابراهيم الحلو ومطران صور يوسف الخوري، وجاءت النتيجة المفاجئة بانتخاب المطران نصرالله صفير بطريركا في الدورة السادسة وكحل وسط بعد خمس دورات انتخابية فشلت في تأمين أكثرية الثلثين لأي من المرشحين.
في العام 2011 استقال البطريرك الكاردينال صفير لأسباب خاصة لا صحية ولا سياسية. البطريرك اختار خروجا مشرفا هادئا وقويا.
اختار ما يراه «التوقيت المناسب» بعدما أعطى كل ما لديه وقدم جهودا وتضحيات على امتداد ربع قرن في سدة البطريركية اجتاز فيها لبنان مراحل صعبة للغاية وعرف فيها المسيحيون أوقاتا عصيبة.
وفي زمن الفراغ والتصحر السياسي على الساحة المسيحية التي امتدت من العام 1990 الى العام 2005 كان البطريرك صفير الصوت الوحيد المرتفع ومالئ الفراغ القيادي لاعبا دور المرجعية الدينية والوطنية بامتياز، فكان له دور بارز في تثبيت دعائم اتفاق الطائف رغم ملاحظات لديه على تطبيقه المجتزأ وتحريف مساره، وفي تحقيق المصالحة التاريخية في الجبل، وفي اطلاق شرارة انتفاضة الأرز ودعمها.
وهذان الموقف والموقع وضعاه في خانة المنحاز الى فريق 14 آذار والداعم له، ما أدى الى مشاكل واعتراضات واجهته على الساحة اللبنانية (من حزب الله وبري خصوصا) وعلى الساحة المسيحية (من تحالف عون ـ فرنجية خصوصا).
بعد قبول الاستقالة رسميا من البابا بنديكتوس السادس عشر، بدأت فعليا الاستعدادات لانتخاب بطريرك جديد هو السابع والسبعون.
وفي معلومات كنسية ان المجمع الانتخابي سيعقد في بكركي ابتداء من 9 مارس ويبدأ برياضة روحية يمكن ان تمتد لثلاثة أيام، ثم تبدأ في 12 مارس دورات الانتخاب على مدى 15 يوما وبمعدل جلستي انتخاب كل يوم. ويقضي القانون ان يحصل البطريرك على ثلثي الأصوات بالانتخاب السري. ويبلغ عدد مطارنة المجمع الانتخابي 41 مطرانا في مقدمهم البطريرك صفير. وقد يتغيب مطرانان أو ثلاثة بسبب العجز الصحي.
ومع إبحار الكنيسة المارونية في العد التنازلي لأهم استحقاقاتها عبر عملية الانتقال للسلطة الكنسية، ثمة أسئلة عدة تطرح في هذا السياق: من من المطارنة سيتبوأ السدة البطريركية، وهل سيشوب الانتخابات ضغوط وتدخلات ما، وما صفات البطريرك الجديد، وهل يستطيع البطريرك الجديد ان يزيل البصمات التي رسخها البطريرك طوال 25 سنة حافلة بالمواقف والأحداث التي لعبت فيها بكركي أدوارا تاريخية من تلك المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان؟! من الجهة القادرة على التأثير على الانتخابات؟ أين حدود تدخل روما؟ هل من مواصفات محددة مشترطة للبطريرك الجديد؟ أي أطر تحدد تنافس المطارنة؟ أي دور للعلمانيين والسياسيين منهم تحديدا في اختيار البطريرك المقبل؟ وبالدخول الى تفاصيل العملية الانتخابية، لأن الأساقفة يرفضون تسميتها بالمعركة، تتردد في الكواليس أسماء مطارنة عدة ليتبوأ أحدهم السدة البطريركية وهم: بولس مطر، فرنسوا عيد، يوسف بشارة، يوسف سويف، بولس صياح، منصور حبيقة، بشارة الراعي وانطوان العنداري (يؤكد البعض انه الأقرب الى البطريرك صفير وسط المطارنة المرشحين) وسواهم لأن المفاجآت كلها واردة.
الفاتيكان لا يتدخل في عملية الانتخاب والمطارنة يعملون جهدهم لتفادي مثل هذا التدخل الذي لا يحصل الا استثنائيا، لأن للكنسية المارونية قوانينها الخاصة وتقاليدها التي لا تتنازل عنها، مع خضوعها البنوي التام للفاتيكان وشراكتها مع الكنيسة الجامعة.
أما الفاتيكان فإنه يبقى على استعداد ليكون الملعب الاحتياط للانتخاب على غرار ما حصل مع طائفة السريان الكاثوليك التي تعذر انتخاب بطريرك لها بثلثي الأصوات في بيروت وعلى دورتين، ما اضطر الفاتيكان الى اجراء الاستحقاق في دوائره وفوز البطريرك يونان بالأكثرية.