المتابعون والمواكبون لعملية تشكيل الحكومة الجديدة ومسارها يتجاذبهم اتجاهان ورأيان:
الأول موجود عند قوى 14 آذار بالإجمال، ويعتبر ان الحكومة الجديدة ستظل في دائرة المراوحة لأسابيع طويلة، وان تأخرها لا يعود لعقد في التأليف وأبرزها عقدة التمثيل المسيحي جراء الصراع المكشوف بين الرئيس ميشال سليمان والعماد ميشال عون، وإنما يعود بشكل أساسي الى أمرين أساسيين:
1 - التريث السوري نتيجة الأحداث والتحولات العربية التي لم تكن منتظرة، ولم يكن شيء منها موجودا في اللحظة السياسية التي تقرر فيها إسقاط حكومة الحريري وتغيير معادلة الحكم.
فهذه التطورات باغتت دمشق وأربكتها وحملتها على إعادة أولوياتها، حيث لم يعد الملف اللبناني أولوية، وعلى اتباع سياسة وانتظار وترقب لنتائج هذه الأحداث ومداها، وأيضا لطبيعتها والعوامل المحركة لها وما اذا كان الأمر يستند الى دينامية ذاتية عربية أم الى «أيد خفية»، يضاف الى ذلك ان دمشق فوجئت بحجم رد الفعل الدولي والعربي على التغيير الحاصل في لبنان برعايتها ولم تكن تتوقع مثل هذين الحذر والتحفظ من جهات صديقة مثل فرنسا وتركيا وقطر، وأيضا من جهة المملكة السعودية، وتبدو دمشق معنية بعدم عودة علاقاتها الدولية والعربية الى الوراء وعدم تكبد خسائر وأعباء خارجية مقابل مكتسبات وأوضاع غير مكتملة وغير مضمونة في الداخل اللبناني.
2 - تريث الرئيس نجيب ميقاتي الممزوج بشيء من «التلبك والارتباك» لأن ميقاتي كلف برئاسة الحكومة على أساس ظروف وحسابات معينة و«يؤلف» حكومته في ظل ظروف وأوضاع مختلفة ساهمت في جعل مهمته «صعبة ودقيقة». الرئيس ميقاتي لم يكن يتوقع ردة فعل قاسية وجذرية من جانب الحريري وتياره و«شارعه السني» ومن جانب حلفائه مسيحيي 14 آذار، وكان يتطلع الى حكومة مقبولة يتمثل فيها فريق 14 آذار أو بعضه على الأقل، ويكون دوره فيها وسطيا بالتنسيق والتعاون مع رئيس الجمهورية. ولكن مع سلوك الوضع منحى التصعيد والانقسام الحاد، لم يعد من مكان للوسطية أو الرمادية ويصعب تصور حكومة رأسها معتدل وجسمها متطرف، وميقاتي أصبح آمن يتحرك في حقل ألغام سياسية، لا هو قادر على التقدم الى الأمام وتشكيل حكومة غير قابلة للحياة، ولا هو قادر على التراجع الى الوراء والاعتذار، وفي كلا الحالين يواجه مغامرة سياسية، ولذلك فإنه باق في مكانه حتى إشعار آخر الى أن يحدث ما يكسر «المأزق الراهن».
الثاني موجود عند قوى 8 آذار بالإجمال ويعتبر ان تأليف الحكومة مازال في المهلة الطبيعية، وان العد العكسي لولادتها بدأ فعليا بعد إعلان قوى 14 آذار رسميا عدم مشاركتها، إذ لم يكن من الممكن ولا الوارد عند الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة قبل استنفاد فرص هذا الخيار (حكومة شراكة)، أما ما يقال عن عقبات داخلية فإنها كلها من النوع القابل للتذليل، لاسيما أنها باتت تدور ضمن الفريق الواحد، وما يقال عن موقف سوري متريث ومؤخر لتشكيل الحكومة ليس واقعيا، لأن دمشق لا ترى فيما يجري في المنطقة ارباكا أو تقييدا لها وإنما يصب في مصلحة خيارها ومحورها الاقليمي، يعتبر أصحاب هذا الرأي ان الرد على سقوط تسوية الـ (س. س) نتيجة ضغوط ومداخلات أميركية كان بإسقاط حكومة الحريري عندما كان في زيارة للولايات المتحدة وهو داخل الى لقائه مع الرئيس أوباما، والرد على سقوط قواعد اللعبة والخطوط الحمر مع فتح «معركة السلاح» سيكون بإعلان الحكومة مباشرة بعد تظاهرات 13 آذار. وكان من الأفضل تمرير هذا اليوم من دون وجود حكومة ستكون هدفا للتصويب عليها أو لاستهدافها من أول الطريق بأحداث أمنية، أما ما يقال عن انتظار إعلان القرار الظني الذي تأجل من أول الشهر الى آخره فإنه ليس صحيحا، لأن حزب الله بات يعتبر القرار الظني وراءه، ولأن «معركة السلاح» باتت تتقدم على «معركة المحكمة».
حكومة ميقاتي ستولد على الأرجح قبل 20 آذار بعد حل عقدة وزارة الداخلية بإسنادها الى الوزير السابق ناجي البستاني (محسوب على سليمان ومقبول من عون) على ان يعطى تكتل الاصلاح والتغيير حقائب العدل (قرطباوي) والطاقة (باسيل) والاتصالات (نحاس) والسياحة (عبود) والدفاع (غصن)، وسيكون التمثيل المسيحي الذي يشارك فيه الرئيس سليمان «رمزيا» مخترقا من كتلة بري (النائب أسعد حردان) ومن ميقاتي (نقولا فتوش ونقولا نحاس)، أما جنبلاط هذه المرة فمقعد وزاري سني (علاء الدين ترو).