للمرة الأولى بعد العام 2005، تنزل قوى 14 آذار الى الشارع والى ساحة الشهداء وسط بيروت في ذكرى 14 آذار (انتفاضة الاستقلال) وليس في ذكرى 14 فبراير (اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري). للمرة الأولى أيضا يتحلق جمهور 14 آذار حول قيادته وهي في المعارضة لا في الحكم. وإذا كان التغيير الأول في الموعد والتوقيت هو «تغيير شكلي وتقني» فرضه التغيير الطارئ والمفاجئ في الوضع الداخلي الذي دفع الى إعادة نظر في كل شيء بما في ذلك إعادة تركيز الموقف والخطاب السياسي، فإن التغيير الثاني المتمثل في تبادل المواقع بين أكثرية وأقلية وبين حكم ومعارضة هو تغيير جوهري حمل معه تحولا في المسار السياسي وفي المعادلة الداخلية بغض النظر عن الأسباب التي أدت إليه وما اذا كان هذا التحول ظرفيا مؤقتا أم مرشحا ومتعاظما مع الوقت.
وفي تقييم أول لمشهد 13 آذار ودلالاته ومعانيه يمكن التوقف عند النقاط التالية:
1 ـ نجحت قوى 14 آذار في اختبار القوة الشعبي وفي تحقيق الهدف الأول والمباشر، وهو «الحشد الشعبي» الذي يراد من خلاله ومن ورائه توجيه رسالة سياسية الى الخارج بأن هناك فريقا لبنانيا واسعا ضد سلاح حزب الله، والى من يهمه الأمر في الداخل والخارج بأن الحريري هو الزعيم ومن يمثل الشارع السني.
والنجاح الشعبي لا يقاس هنا بلغة الأرقام ان كانت عشرات أو مئات الألوف، وانما يقاس بالظروف الصعبة التي اجتازتها قوى 14 آذار واستطاعت تجاوزها والاحتفاظ بقاعدة شعبية صلبة. وأبرز هذه الظروف ما يتعلق بالتصدع والتفكك الذي لحق بها بدءا من العام 2008 بعد انسحاب جنبلاط منها، وصولا الى خسارتها السلطة نتيجة أخطاء في التقدير أو التصرف والأداء والإدارة، وما أدى إليه ذلك من اهتزاز صدقيتها والثقة بها لدى جمهورها أولا.
2 ـ المضمون السياسي في مهرجان 13 آذار جاء دون المستوى أو بتعبير أدق لم يكن في مستوى لا حملة التعبئة الاعلامية والسياسية المركزة التي سبقته ولا في مستوى ما كان الجمهور الآتي الى ساحة الشهداء يتوقعه وينتظره.
ولذلك فإن التكرار في المعاني وحتى في التعابير خلق أجواء ملل ورتابة لم يقطعها إلا «الظهور السياسي المسرحي» للرئيس سعد الحريري الذي خرج عن «المألوف» وخلق مساحة تفاعل مع الجمهور.
3 ـ يوم 13 آذار هو بداية لمرحلة جديدة على مستويين:
ـ مرحلة جديدة عند قوى 14 آذار التي أنهت أمس الأول مرحلة من «الاهتزاز والترجرج والتأرجح» بدأت مع أحداث 7 مايو وتخللتها أخطاء سياسية اعترف بها قادتها في سياق مراجعة عامة للمرحلة السابقة. وهذه الأخطاء تتمحور خصوصا حول التفريط بالأكثرية المنبثقة عن انتخابات 2009 (انتخاب بري والثلث المعطل لـ 8 آذار..) وحول مسايرة زائدة لحزب الله والتقليل المتعمد من شأن سلاحه وتأثيراته على المعادلة الداخلية الى ان كان المشهد الانقلابي والخروج المفاجئ للحريري من رئاسة الحكومة.
ـ مرحلة جديدة في لبنان مفتوحة على تأزم وتعقيدات أكثر، مع تعزز الانقسام الداخلي الذي بات «انقساما سياسيا وطنيا»، ومع اضافة موضوع السلاح بندا أساسيا الى البنود الخلافية متقدما على بند المحكمة الدولية.
مما لا شك فيه ان «شعار السلاح» كان العامل الأول في تعبئة شارع 14 آذار وشد عصبه بعدما بات شعار «المحكمة الدولية» أو «شعار الحقيقة والعدالة» مستنفدا ومستهلكا بفعل الحملة المركزة منذ عام والتأجيل المتكرر في إصدار القرار الظني. ولكن الأمر لا يقتصر على مناسبة وتعبئة لها وانما يتصل بمعركة سياسية مفتوحة، وحيث يراد لانتفاضة 13 آذار 2011 ضد السلاح ان تكون مشابهة في مفاعيلها وأهدافها لانتفاضة 14 آذار 2005 ضد الوجود السوري والنظام الأمني آنذاك.
4 ـ ماذا بعد 13 آذار؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم.
من جهة فريق 8 آذار، هناك بداية خروج عن سياسة الصمت ورفع وتيرة الهجوم ضد الحريري بشكل خاص.
من جهة 14 آذار، هناك تحدي الاحتفاظ بجمهور 14 آذار وعدم التفريط فيه أو عدم إضاعته مرة ثانية إذ سيكون أقل تسامحا مع أي خطأ جديد.