لم يعد من مبرر لتأخر اضافي في تشكيل الحكومة بعدما أخذ فريق 14 آذار خياره في لقاء البريستول وأكد عليه في مهرجان 13 آذار. هذا ما يراه الرئيس نبيه بري المستعجل لولادة الحكومة أكثر من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، والذي يرى ان عامل الوقت ليس في مصلحة الحكومة الجديدة التي ستواجه ظروفا أصعب وعقبات أكثر مع مرور الوقت. ولكن «أوراق اللعبة» ليست في يد بري الذي لم يعد من الممكن الركون الى توقعاته ولا الى تمنياته. و«عقدة التأليف» ليست بالتأكيد عند بري ولا حلها في يده أيضا، وانما في مكان آخر.
هناك من يرى «مشكلة داخلية» محورها عون في خلافه المزدوج مع سليمان وميقاتي وتدور حول عقدتي «الداخلية والعدد» وهناك من يرى ان المشكلة في تأخر الحكومة موجودة عند الرئيس ميقاتي نفسه ليس فقط لأنه محاصر بأوضاع وظروف ضاغطة ومتغيرات لم تكن عند تكليفه، وليس لأن الحريري وفريق 14 آذار يمارسون سياسة اغراقه بالملفات الحساسة والعناوين الكبيرة وآخرها السلاح، وانما أيضا لأن ميقاتي يلزم نفسه بخطوط وضوابط في عملية التشكيل. فهو يريد حكومة متوازنة عبارة عن ائتلاف بين فريق 8 آذار ومجموعة وسطية مستقلة وخليط من سياسيين وتكنوقراط، وهذه الحكومة لا تكون حكومة من لون واحد ولا تكون مشروع تصادم ومواجهة مع المجتمع الدولي. فإذا قيض له ان يشكل حكومة كهذه فعل، واذا لم يكن ممكنا تريث وانتظر أسابيع اضافية، وحتى الآن ليس في حساباته «الاعتذار» عن التأليف ويبقى خيار المراوحة هو الأنسب حتى اشعار آخر اذا لم يكن قادرا على التقدم الى الأمام وتشكيل الحكومة ولم يكن قادرا على التراجع الى الوراء والتنحي عن تشكيل الحكومة.
ولكن ثمة اعتقاد يزداد رسوخا بأن هناك قطبة اقليمية مخفية وراء تأخر الحكومة وتتمثل في تطورات غير محسوبة تشهدها المنطقة العربية وحطت رحالها أخيرا في البحرين، حيث النقطة الساخنة الملتهبة التي تنذر بتطورات وانعكاسات تتجاوز ساحة المملكة الصغيرة. وثمة اعتقاد مستجد بأن ثمة صلة وترابط ما بين أزمتي البحرين ولبنان، وان الوضع في بيروت يتأثر بتداعيات وانعكاسات ما يجري في المنامة. كيف ذلك؟ الأزمة في البحرين لم تعد مجرد أزمة داخلية، وانما اكتسبت أبعادا خارجية وتشق طريقها الى ان تكون «نزاعا اقليميا»:
٭ مجلس التعاون الخليجي، وللمرة الأولى، يقرر استخدام قوات درع الجزيرة والتدخل لحفظ امن ونظام احدى الدول.
٭ ايران لم تتأخر في رد فعلها ولوحت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي ازاء هذا التدخل الذي قال عنه الرئيس نجاد انه عمل مشين غير مبرر وغير مفهوم وسيفشل، موجها تحذيرا مبطنا عندما دعا الى الاعتبار من دول أرسلت في الماضي قوات الى دول أخرى.
٭ تركيا دخلت على خط الأحداث وأرسلت نصيحة مزدوجة إلى إيران والسعودية.
لبنان معني بهذه الأزمة الاقليمية لأنها ترفع من درجة الصراع السني الشيعي في المنطقة، وهو جزء منه وفي صلبه. ولكن لبنان معني أكثر ومباشرة من زاوية أخرى. فقد أدت أزمة البحرين الى اعادة فتح خطوط الاتصال المباشر بين المملكة العربية السعودية وسورية التي شرعت في «دور وساطة» بين ايران والسعودية بعد رسالة حملها الأمير عبد العزيز من والده الملك عبدالله الى الرئيس الاسد. ومن الطبيعي ان يكون الوضع اللبناني وضمنا حكومة ميقاتي جزءا من عملية التبادل الجديدة. كما يمكن من هذه الخلفية فهم أبعاد الموقف الصادر عن مجلس التعاون الخليجي عشية دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين، هذا الموقف الذي صدر من الرياض عكس بوضوح ايجابية تجاه الرئيس ميقاتي وعكس ضمنا استعدادا للمقايضة: تسهيلات سعودية لسورية في لبنان مقابل خدمات سورية للسعودية في البحرين.