سرت في الساعات الأخيرة في بيروت توقعات وأنباء مسندة الى مصادر بارزة في قوى 8 آذار تقول ان المخاض السياسي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أصبح في أيامه الأخيرة، وان الولادة ستتم ابتداء من يوم الاثنين المقبل. وثمة أسباب دفعت في اتجاه التعجيل بولادة الحكومة والخروج من حال المراوحة. ففي الداخل، بدأ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يواجه خطر تآكل الرصيد والزخم اللذين وصل بهما الى رئاسة الحكومة، وأخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يبالغ في حركته السياسية والشعبية التعبوية التي لا هدوء ولا مهادنة فيها، وهي الحملة التي تمددت في اتجاه الشمال وتركزت فيه وصوبت على هدف معلن هو حزب الله وهدف مضمر هو ميقاتي. وحزب الله بدأ يتململ وصبره ينفد وهو الملتزم سياسة صمت وضبط نفس منذ سقوط الحريري وتكليف ميقاتي، أما في المحيط العربي، فإن التطور الأبرز الذي استجد تمثل في إعادة فتح خطوط التواصل والتشاور بين سورية والسعودية وسط تطورات عربية متلاحقة وصورة ضبابية في المنطقة تدفع في اتجاه تحصين الساحة اللبنانية، وفي هذه التوقعات ان الحكومة سترسو على 26 وزيرا، وان عقدة وزارة الداخلية ستحل على نحو غير متوقع، بحيث لا يبقى الوزير بارود ولا تؤول الى وزير للعماد عون، وربما آلت الى «جنبلاط» في اطار خلط أوراق الوزارات السيادية ومقابل الحد من حصة جنبلاط لتقتصر على وزيرين ويسقط منها الوزير السني المقترح (ترو).
ولكن هذه التوقعات «المتفائلة» بقرب ولادة الحكومة تظل محاصرة بحالة من الشكوك والحذر وتقابلها توقعات مضادة بأن يطول أمد التأليف أكثر، طالما ان الأسباب التي أدت الى التأخر لاتزال قائمة سواء على صعيد العقد الداخلية أو الظروف الإقليمية والموقف الدولي، وتستند هذه الشكوك الى العناصر التالية:
1 - هناك رغبة أكيدة لدى قادة الأكثرية الجديدة في ولادة الحكومة وعدم حصول تأخر إضافي لم يعد من سبب ومبرر له بعد استنفاد الاتصالات مع قوى 14 آذار وتبلور موقفها ونتيجة شعور متنام بأن التأخير بدأ ينعكس سلبا على وضعية 8 آذار، إذ ان التحدي الفعلي أمامها بعد إسقاط حكومة الحريري هو تشكيل حكومة ميقاتي، خصوصا ان وضعها يوحي بـ «تضعضع وارتباك وفقدان الزخم الانقلابي».
ولكن قادة هذه الأكثرية يختلفون في تحديد المسؤوليات ومكامن الخلل وأسباب التأخير: جنبلاط وبري يلومان ميقاتي ويتفهمانه في آن ويضعون التأخير في خانة عون وسقفه العالي وفي خانة حزب الله وعدم فتح حوار جدي ومعمق مع ميقاتي من جهة وعدم ممارسته ضغوطا على عون من جهة ثانية، أما حزب الله وعون، فإنهما يضعان مشكلة التأخير في جزئها الأهم عند الرئيس ميقاتي لما يظهره من تردد وإحجام وعدم رغبة في المواجهة وتجاهل الواقع السياسي الجديد الذي وصل على أساسه الى رئاسة الحكومة في ظروف مغايرة لظروف العام 2005 ولا يستطيع فيها ان يمارس سياسة وسطية لأن الوسطية تمارس في حكومة من فريقين.
2 - الوضعية الدقيقة للرئيس ميقاتي الذي يدرس خياراته الحكومية والسياسية جيدا ولديه مقاربته الخاصة للحكومة الجديدة، تشكيلة وبرنامجا وسياسة، التي تتطابق مع نظرة الرئيس سليمان وتقترب من بري وجنبلاط ولا تنسجم تماما مع رؤية عون وحزب الله.
الرئيس ميقاتي حدد الثوابت والخطوط الأساسية التي تحكم سياسته: اتفاق الطائف، الطائفة السنية (دورها ومصالحها)، رئاسة الحكومة (دورها وصلاحياتها)، المجتمع الدولي (القرارات والالتزامات) ولذلك هو يريد من حلفائه الجدد وفي ظل ضغوط هائلة تمارس عليه من الداخل والخارج، وبدل ان يمارسوا ضغوطا إضافية عليه، ان يخفضوا سقف مطالبهم المتعلقة بتركيبة الحكومة وشكلها وتوازناتها، وان يساهموا ويساعدوا فيما يحفظ علاقات لبنان الدولية المتنوعة بدءا من ضرورة التعامل مع المحكمة الدولية، وان يدعموه في سعيه للحفاظ على دور رئيس الحكومة وموقعه، كما في الحفاظ على دور وموقع رئاسة الجمهورية.
فإذا حصل ميقاتي على تفهم وتسهيلات من حلفائه، صار بإمكانه تشكيل الحكومة، أما إذا أرادوه غطاء داخليا وعربيا ودوليا لحكومة يرأسها هو ويقودونها هم، فإنه سيكون أمام خيارين: إما تمديد الانتظار الى حين توافر ظروف وقناعات حكومة حد أدنى من التوازن، واما التحول الى الاعتذار والانسحاب من أول الطريق اذا كان الخيار الآخر «حكومة فاشلة» توصله عاجلا أم آجلا الى مواجهة مع حلفائه الجدد والى الاستقالة.
3 - موقف سورية الذي مازال على قدر واف من الغموض والالتباس والتريث وربما الارتباك، مادامت سورية تمتنع عن التدخل من جهة وتنصح بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة من جهة ثانية، وطالما انها من جهة ترسل الى الرئيس ميقاتي ما مفاده انها ليست في وارد ممارسة ضغوط على العماد عون وعليه ان يتفق معه، ومن جهة مقابلة ترسل الى حزب الله ما مفاده انها ليست في وارد الضغط على ميقاتي وعليه ان يتفق معه. لسورية ربما مآخذ على ميقاتي وأدائه، ولكنها لا تريد بديلا ومن هو أفضل منه في هذه المرحلة.