25 مايو 2000 علامة مضيئة في سجل المقاومة وحزب الله الذي دفع اسرائيل الى الانسحاب من لبنان من طرف واحد من دون شروط واتفاقات ومن دون مقابل، مسجلا بذلك سابقة في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي. منذ ذلك العام وحزب الله في حركة صعود منتزعا مزيدا من الاعجاب والتقدير في حرب يوليو 2006 التي خرج منها أقوى وإن كان مثخنا بالجراح، وكان صموده في حرب غير متكافئة انجازا كافيا لإعلان انتصاره، فيما كان عدم توصل اسرائيل الى الحسم وتدمير حزب الله كافيا لاعتبارها خاسرة في هذه الجولة. لكن حزب الله الذي أثبت نجاحا كتنظيم مقاوم ذائع الشهرة وكـ «لاعب اقليمي» تجاوز دوره وتأثيره الساحة اللبنانية، لم يثبت حتى الآن مثل هذا النجاح كحزب سياسي وكـ «لاعب محلي». فمن جهة وجد نفسه مقيدا بقواعد اللعبة السياسية وضوابط وآليات النظام الطائفي واعتبارات التركيبة اللبنانية الحساسة والدقيقة في توازاناتها وتعقيداتها، ومن جهة ثانية وقع في فخ اللعبة الداخلية التقليدية بكل ما تحفل به من انقسامات سياسية وطائفية وما تؤدي اليه من تصغير للأحجام والأدوار، من جهة ثالثة تعرض، وهو المتحول الى رقم صعب في المعادلة اللبنانية والاقليمية، الى حملة اعلامية وسياسية وديبلوماسية مركزة اختلط فيها الاتهام مع التشهير وتشويه الصورة.
آخر ما هدف اليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه اول من امس هو الدفاع عن الحزب ورد الاتهامات والاستهدافات بدءا مما يعتبره «مؤامرة المحكمة الدولية» التي تأكدت مع اتهام الرئيس الأميركي باراك أوباما لحزب الله بالاغتيالات السياسية والسيارات المفخخة، وصولا الى ما يعتبره حزب الله اتهامات وإشاعات كاذبة عن أدوار أمنية وعسكرية له في دول عربية من اليمن والعراق الى ليبيا وسورية.
أما الرسائل التي ضمنها السيد نصرالله خطابه وفي لحظة الأحداث المتدافعة حول لبنان والمتقاطعة على أرضه فكان أبرزها:
1_ الرد المباشر على خطابي أوباما ونتنياهو أمام مؤتمر «إيباك» فينخرط نصرالله في «حرب الخطابات» و«صدام المشاريع الاقليمية» وينفرد في الرد على المحور الأميركي ـ الاسرائيلي ويقدم نفسه كناطق رسمي باسم المحور الايراني السوري أو محور الممانعة والمقاومة في المنطقة. وفي الواقع فإن خطاب نتنياهو أمام مؤتمر إيباك أعطى تمريرة لنصرالله ومادة دسمة لخطابه وأتاح له العودة الى موقعه الطبيعي في تصدر حركة الصراع مع اسرائيل متجاوزا كل المطبات والعقد العربية واللبنانية. وهكذا فإنه مقابل لاءات نتنياهو، أطلق نصرالله لاءاته المضادة داعيا القادة العرب الى سحب المبادرة العربية للسلام نهائيا.
2_ إظهار نوع من القلق والريبة حيال مسار الثورات العربية في ضوء ما بدأ يظهر من سعي أميركي الى مصادرتها بالكلام المعسول والأموال بعدما كان نصرالله في آخر خطاب له أبدى تفاؤلا وثقة بهذه الثورات التي تصب في تعزيز الوعي واليقظة.
3_ اعلان حزب الله أول موقف رسمي وعلني من الوضع المستجد في سورية وأحداثها، وجاء الموقف واضحا حازما في الوقوف الى جانب سوري نظاما وجيشا وشعبا.
4_ اشارة عابرة الى أزمة تأليف الحكومة لكنها اشارة معبرة وبليغة: السيد حسن نصرالله الذي كان أكد جازما قبل أسابيع ان حكومة ستشكل برئاسة نجيب ميقاتي، لم يصدر عنه مثل هذا التأكيد في «خطاب النبي شيت»، لا بل غمز من قناة الرئيس ميقاتي أكثر من مرة عندما قال انه المعني المباشر بالتأليف وانه واقع تحت ضغوط وشروط أميركية، وعندما لم يصنفه من ضمن فريق الأكثرية الجديدة.