بيروت ـ عمر حبنجر
الاستحقاقات اللبنانية الداخلية تقترب وتكبر وتتفاقم، وفي طليعتها التعيينات الاساسية والموازنة وتمويل المحكمة الدولية، الى جانب موضوع سلاح حزب الله والموقف اللبناني الرسمي مما يجري في سورية، واضيف الى هذه الارباكات امس دخول وزير الاتصالات العوني نقولا صحناوي الى الطبقة الثانية من مبنى الوزارة في عملية اقتحام غير قانونية، كما يقول المعارضون، تمثلت بتحطيم اقفال المركز الذي يضم الشبكة الهاتفية الثالثة دون علم مجلس الوزراء، في حين اتسمت بالاهمية عظة الكاردينال نصرالله صفير في قداس شهداء القوات اللبنانية في جونية والخطاب الذي اطلقه د.سمير جعجع بالمناسبة الشعبية والذي تميز بمفاصل سياسية قوية وصريحة، حيث ركز على الوضع المسيحي في لبنان والمشرق، وعلى رفض حالة التمييز بين فئة واخرى من اللبنانيين وانكفاء الدولة عن بعض واجباتها الاساسية.
واستهل الاحتفال بقداس ترأسه الكاردينال نصر الله صفير، الذي اكتفى بعد العظة الدينية بمباركة الشباب وتمنى لهم ان يرزقهم الله اياما افضل من ايامنا.
ضمانات
بدوره قال جعجع غامزا من تصريحات البطريرك بشارة الراعي حول المسيحيين في سورية «لا نخاف أحدا، ولن نخاف من أحد، ولا نريد ضمانات من أحد، ولا نقبل ابتزازا، ولا نقبل تهويلا، ولن نقبل تهديدا، وستبقى أجراس كنائسنا تدق وأصواتنا تصدح، ولكن دائما بالحق والحقيقة مهما كانت صعبة ومهما كان الثمن، ولن نساير، ولن نتلون، ولن نستجدي لا أمنا ولا أمانا ولا نخاف أحدا، ونعرف كيف نتدبر أمرنا فإما أن نعيش قيمنا ومبادئنا وقناعاتنا وإما على الدنيا السلام».
وتساءل «قولوا لنا بربكم: من هاجم المسيحيين في لبنان؟ من قتلهم؟ من قتلكم؟ من دمر كنائسنا؟ من فجر كنيسة سيدة النجاة؟ من قصف الأشرفية، وزحلة، وعين الرمانة وعيون السيمان؟ من اعتقل وأخفى واغتال رجالنا من رهبان، وعلمانيين، وعسكريين وسياسيين؟ قولوا لنا بربكم، من أمعن في المسيحيين، وبعد نهاية الحرب، قمعا، وتنكيلا، وسجنا، ونفيا، واضطهادا وتهميشا، وأقصاهم عن أي دور فعلي، وساهم في هجرتهم؟ قولوا لنا بربكم، أين هم حتى الساعة، مئات المعتقلين، المفقودين في غياهب السجون، وفي طليعتهم الرفيق العزيز الغالي الحبيب بطرس خوند؟ قولوا لنا بربكم، من قتل بشير الجميل، وكمال جنبلاط، ورينيه معوض ورفيق الحريري؟
وأكمل جعجع قائلا: «إن من يقتل إخوة لنا في الوطن، أو في المنطقة او في سورية، أو في العالم، من دون رحمة أو شفقة، ليس الطرف الصالح لا لصداقة، ولا لتحالف. إن التحالف الذي يدعو البعض إليه ويسميه تحالف الأقليات، ما هو بالفعل إلا تحالف أقليات السلطة والمال والمصالح النفعية لأي طائفة أو قومية أو فئة انتمت بمواجهة أكثرية مسحوقة لأي طائفة أو قومية أو فئة انتمت، وإن إثارة المسألة بهذا الشكل، هي في حقيقتها تقزيم لدور المسيحيين التاريخي ونقلهم من مدافعين عن المبادئ الإنسانية السامية إلى مجرد أكياس رمل لحماية أنظمة غاشمة متخلفة، لا قيم عندها ولا قناعات سوى الاحتفاظ بالسلطة على حساب كل شيء وبالرغم من كل شيء».
وأردف جعجع: «إن الخوف من التطرف مبرر ومشروع، ولكن هذا الخوف لا يبيح المحظورات ولا يفترض انقلابا جذريا على كل القيم الإنسانية والمسيحية. وسأل: أي تشدد أخطر من الذي شهدناه في لبنان على مدى 3 عقود؟ كيف يكون تشدد أخطر من الذي نشهده اليوم؟ كل يوم، في القرى والمدن السورية كلها؟ وإذا سلمنا جدلا بأن تطرفا ما سيظهر في مكان ما فإن موقفنا منه لن يكون أقل حدة، ومواجهتنا له لن تكون أقل شراسة».
وأضاف: «لن نعيش ذميين، فهذا موقف حياة أو موت بالنسبة لنا. لن نكون ذميين، بل إن حقنا في الحرية والعدالة والمساواة والحياة الكريمة في لبنان والشرق لا يتأمن إلا عبر الدولة المدنية الديموقراطية الفعلية، وليس بالعيش كائنات هامشية في كنف الديكتاتوريات. وهل مقبول أن ننكفئ نحن المسيحيين عن الشرق في اللحظة عينها التي بدأ فيها الشرق يشبهنا؟ إخوتي المسيحيين في لبنان، وسورية، وفلسطين، والعراق، ومصر ودول المنطقة كلها لا تخافوا إذا كان الله معكم فمن عليكم؟
وقال جعجع: «أيها اللبنانيون، إن فرحتنا بالربيع العربي لن تكتمل إلا باكتمال ربيع لبنان وربيع فلسطين إن ربيع فلسطين على وشك أن يتفتح باعتراف الأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين. لا يعتقدن أحد بأن هذا الاعتراف هو اعتراف صوري أو نظري، لأن ما كتب سيكون قد كتب، وسيتحول عاجلا أم آجلا، الى واقع ملموس، تفرح به قلوب الفلسطينيين والعرب أجمعين، وستكون الفرحة لنا، نحن اللبنانيين فرحتين: فرحة بقيام دولة فلسطين، وأخرى مع فرحة الإخوة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان بخلاصهم من تشردهم المزمن، وعودتهم الى فلسطين. أما فيما يتعلق بربيع لبنان، فانتفاضة الشعوب العربية اليوم على أنظمة غابرة، تقابلها بكل اسف محاولة البعض في لبنان إعادتنا الى خريف ولى، إن ربيع لبنان مازال يرزح، منذ انطلاقة ثورة الأرز تحت وطأة سلاح غير شرعي يصادر القرار الاستراتيجي للدولة برمتها ويشكل سيفا مصلتا على أعناق اللبنانيين الأحرار».
في هذا السياق، اغتنم جعجع مناسبة وجوده على منبر «شهداء المقاومة اللبنانية بالذات» ليتقدم إلى «الإخوة» في حزب الله بـ «نداء» بعيدا عن كل الاختلافات وقال: «قد يعتقد البعض منكم أن بقاء سلاح الحزب هو ما يوفر الحماية والقوة لكم. لكن هذا البعض فاته ان حمايتنا وقوتنا جميعا كمواطنين لبنانيين لأي فئة انتمينا، لا تتأمن، إلا من خلال الدولة اللبنانية من جهة، ومن تفاعلنا الإنساني والسياسي والاجتماعي مع بعضنا البعض، من جهة ثانية. إن بقاء السلاح غير الشرعي في لبنان لم يعد مبررا ولا مقبولا، لاسيما في ظل التحولات الكبرى وفي ظل سقوط المعادلات التي أوجدته. من هنا أدعوكم لاتخاذ قرار جريء بالتخلي عن سلاحكم، أعزاء شرفاء للدولة اللبنانية بعدما أدى هذا السلاح دوره كاملا حتى العام 2000. تعالوا إلى حيث تجرأنا وإلى حيث يجب أن يجرؤ الآخرون». في مجال آخر، أوضح جعجع أنه «لأن الظلمة لن تقوى على النور، ولن ينتصر الشر على الخير فقد آن أوان محكمة لبنان، آن الأوان لإسقاط ورقة التين عن منطق إلغائي لدى البعض، وآن الأوان لتبيان حقيقة هذه المدرسة ـ المشرحة القائمة في لبنان ودول شرق أوسطية أخرى على اعتماد لغة الإرهاب والاغتيال».
ميقاتي إلى نيويورك
في غضون ذلك، توجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى نيويورك امس لمتابعة جلسات مجلس الامن والامم المتحدة نظرا لعودة الرئيس ميشال سليمان الذي رأس وفد لبنان في افتتاح اجتماعات الهيئة العامة ومجلس الامن، وسيرأس ميقاتي اجتماع مجلس الامن الثلاثاء المقبل ويلقي كلمة لبنان في اجتماع المجلس حول طلب اعلان الدولة الفلسطينية. الرئيس سليمان شدد في تصريح لقناة «ام.تي.في» من نيويورك على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، لاسيما منها ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان وبالقرار 1701.