بيروت ـ ناصر زيدان
عقد في 11 أبريل 2014 في بيروت ندوة حوارية، شارك فيها مسؤولو الثقافة في الأحزاب اللبنانية، دعا إليها الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة السلام الدائم. وكان حفل الافتتاح كبيرا، حضره وزراء ونواب وممثلون للمجتمع المدني.
البارز في اللقاء حضور ممثلون عن الأحزاب اللبنانية كافة، وعددهم 20 حزبا، بما في ذلك احزاب عادة لا تلتقي مع بعضها البعض، خصوصا حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار وتيار المستقبل من جانب 14 آذار، وحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي من جانب قوى 8 آذار، إضافة إلى حضور تيارات إسلامية متخاصمة، لاسيما الجماعة الإسلامية من جهة وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية من جهة ثانية.
الحوار كان بمناسبة مرور 39 عاما على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وعنوانه «ثقافة الحوار ودور الأحزاب في حماية السلم الأهلي».
الأحزاب المشاركة انخرطت معظمها في العمل العسكري إبان الحرب الأهلية، ومنها مازال يملك السلاح تحت شعار «متابعة المقاومة للاحتلال الإسرائيلي» ومنها أحزاب تأسست بعد نهاية الحرب، لاسيما في حقبة ما بعد الخروج العسكري السوري من لبنان في العام 2005، كحركة الاستقلال (المعادية للنظام السوري) وحزب التوحيد العربي (الموالي للنظام السوري).
الاجتماع بحد ذاته انجاز مهم، وشمولية المشاركة، ونوعية المشاركين مهم أيضا، ذلك أن معظمهم من المثقفين والأساتذة ويملكون قدرا كبيرا من الخبرة في العمل السياسي والاجتماعي والتنظيمي والإرشاد الديني والثقافي.
ولكن من دون أي عناء ترتسم أمام المراقب للحوار مجموعة من المشاهدات التي لها طابع غير عادي، تدعو للتشاؤم، وتبشر بتفاؤل في آن واحد، لأنها تفتح كوة مضيئة في جدار الانسداد الحواري القائم، ومن أبرز المشاهدات المتناقضة صور تدفع بقوة للطلب من هذه الأحزاب إلى إحداث تغييرات جوهرية في نمطية عملها، بهدف المساهمة في تعزيز الروح الوطنية وإعلاء شأن القيم المشتركة بين اللبنانيين.
من المشاهدات السلبية الهوة الكبيرة التي تفصل بين ثقافة هذه الأحزاب، خصوصا في مقاربة الفكرة اللبنانية والعربية، فبينما تتغلب عند بعض الأحزاب أولويات التعبئة الدينية تحمل أحزاب أخرى هموم المدنية بمفهومها العصري، رغم أن كل الأحزاب اللبنانية لا تتنكر لعقائد الديانات السماوية، وعلى وجه التحديد الإسلام والمسيحية.
ويكتشف المراقب للحوار سبب التباعد بين المواطنين اللبنانيين، وخوف بعضهم من البعض الآخر، ذلك لأن للأحزاب اللبنانية منطلقات فكرية متباعدة في الثقافة الوطنية، فيبالغ بعضها في التركيز على الأفكار الليبرالية المتحررة وتقليد النمط الغربي، ويتشدد بعضها الآخر إلى حد التهور في التمسك بطقوس وتقاليد تناسب الماضي السحيق أكثر مما تناسب الحاضر.
وفي الجانب السلبي للحوار أيضا، تراه كأنه يجري بين أحزاب لا ينتمون لوطن واحد، نظرا للفارق الكبير بين رؤية كل منهم، وكذلك بسبب الاستعداد الدائم للخلاف إلى حد العداوة، وبالتالي إنهاء الحوار وراء النقطة التي بدأ منها ولكن الحمد لله أن ذلك لم يحصل.
ويتبين بوضوح من الحوار أن الأحزاب اللبنانية لا تعتمد مقاربات متشابهة في تثقيف مناصريها فمقارباتها التعصبية تدفع إلى حياة تحزبية متشددة اكثر ما تنتج حياة حزبية تعددية متنوعة وراقية.
ومن المشاهدات التي تدعو إلى التفاؤل من ذلك الحوار الاستعداد الواضح عند جميع المشاركين للاستمرار في الحوار الذي فتح لتغيير صورة كل حزب عند جمهور الحزب الآخر، ذلك لأن خلفيات الصورة شاحبة إلى حد بعيد.
وابتعاد الأحزاب اللبنانية على الالتقاء بصورة متكررة، زاد من مسافة التباعد، وساهم في إرساء ثقافة الخوف المتبادل، والذي يصل أحيانا إلى حد الريبة من المستقبل، والتشكيك في الوحدة الوطنية، لذلك كان لطاولة الحوار مفاعيل إيجابية جمة، وأطلقت ما يشبه الورشة التواصلية التي بدأت بقوة مع الاتفاق الذي حصل على البيان الختامي الذي تضمن التوصيات.
وفي التوصيات مجموعة كبيرة من المبادئ التي تصلح كعناوين تغني فكرة المواطنة، ومنها: حماية التنوع ونبذ لغة العنف وتعزيز القيم الوطنية المشتركة، وإعلاء شأن المواطنة، والحفاظ على السلم الأهلي عن طريق الحد من انتشار السلاح.