القراءة السياسية في عملية ونتائج التصويت الأول الذي جرى في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس الأول تفضي الى الاستنتاجات التالية:
1 ـ وجود توازن قوى سياسي ـ انتخابي دقيق بين فريقين متكافئين عدديا وكل منهما عاجز وحده عن بلوغ عتبة الـ 65 صوتا (النصف زائد واحد). وبذلك تكون الانتخابات دخلت مأزق «التوازن السلبي» الذي لا يكسره إلا واحد من أمرين: توافق الفريقين على «رئيس ثالث» أو انحياز الكتلة الوسطية الى أحدهما.
2 ـ تعزز حجم ودور الكتلة الوسطية التي باتت هي الكتلة المرجحة في التصويت والمقررة لاتجاه ومسار الاستحقاق الرئاسي. ولعل أبرز ما تمخضت عنه جلسة 23 ابريل أنها بلورت «الكتلة الوسطية» التي تمددت على حساب 14 آذار، فيما بقيت كتلة 8 آذار على تماسكها ولم تنقص صوتا واحدا.
3 ـ أظهر فريق 14 آذار وحدة صف وموقف في اصطفافه وراء مرشح واحد هو د.سمير جعجع وفي تحويل المعركة الرئاسية الى معركة سياسية بامتياز في أولى جولاتها. ولكن هذا الفريق، وتحديدا تيار المستقبل، مقبل على إعادة تقييم للمعركة والخيارات في المرحلة المقبلة وهي ثلاثة: الاستمرار في «مرشح المعركة» (جعجع) أو التحول إلى المرشح الوسطي أو القفز الى «رئيس تسوية أو صفقة».
4 ـ أظهر فريق 8 آذار تماسكا كـ «بلوك واحد غير قابل للاختراق». والنتيجة الأبرز كانت أن الرئيس بري مع كتلته يلتزم قرار هذا الفريق وتوجهاته، وأنه في هذا الاستحقاق يقف وراء حزب الله فيما يقف الحزب وراء العماد عون الى أن يتأكد الجميع من سقوط ورقة عون للرئاسة وعدم توافر ظروف وإمكانات أن يصبح «رئيسا توافقيا».
فريق 8 آذار يرى أن الكرة الآن باتت في ملعب الرئيس سعد الحريري وينتظر قراره للجولة القادمة: فإذا استمر في دعم ترشيح جعجع فإن موقف 8 آذار سيتكرر في مقاطعة الجلسة وفي المرة المقبلة ليس عبر «الأوراق البيضاء» وإنما عبر لعب «ورقة النصاب» وعدم الحضور الى جلسة الانتخاب الثانية. ويمكن القول إن احتمال عدم انعقاد الجلسة الثانية كبير جدا. فإذا كانت الجلسة الأولى انعقدت تحت عنوان: «نصاب.. من دون انتخاب»، فإن الجلسة الثانية سيكون عنوانها: «لا نصاب.. ولا اقتراع»، كما يمكن القول إن فريق 8 آذار سيتحول الى تكتيك جديد هو مقاطعة جلسات الانتخاب طالما لم يحصل توافق مسبق ولم يكن موافقا على الرئيس الذي سينتخب. أما العودة الى قاعة الانتخاب في ظل المشهد الحالي فإنه ينطوي على مخاطر سياسية أولها خطر خروج الوضع عن السيطرة، وحيث لا يمكن لهذا الفريق أن يستمر في «لعبة الأوراق البيضاء» وفي «إخفاء ترشيح عون وإبقائه ورقة مستورة». في هذه الحال سيحصل تفكك وخلط أوراق.
إن سببا من أسباب تطيير نصاب الدورة الثانية أمس الأول يكمن في أن احتمال فوز هنري حلو «كرئيس فلتة الشوط» كان موجودا بعدما انحصر الخيار بينه وبين جعجع، مثلما أن احتمال فوزه يظل واردا في أي جلسة مقبلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
5 ـ نظريا، تقف عملية انتخاب الرئيس أمام احتمالين:
٭ فوز مرشح 14 آذار أو فوز مرشح 8 آذار في حال قرر جنبلاط الانحياز والتصويت لمصلحة أحد المرشحين.. وهذا الاحتمال أسقطه جنبلاط عندما قرر ترشيح هنري حلو وعندما أكد بعد الجلسة أنه مستمر في هذا الترشيح.
٭ انتخاب رئيس وسطي أو توافقي لا ينتمي الى 8 أو 14 آذار، واسم هنري حلو بات مدرجا على هذه اللائحة منطلقا من كتلة ثابتة عددها 16 صوتا. (رقم الـ 16 هو نفسه الرقم الذي حصل عليه النائب الياس الهراوي في جلسة انتخاب رينيه معوض).. ويطمح جنبلاط الى تكرار تجربة تمام سلام الحكومية والنفاذ من ثغرة الاصطفاف الحاد والتوازن الدقيق بين 8 و14 آذار.
يضاف الى هذين الاحتمالين احتمال ثالث قيد التداول والبحث وهو وصول «رئيس التسوية» فتكون التسوية مشابهة لتسوية الدوحة (اتفاق في سلة واحدة على الرئيس والحكومة وقانون الانتخابات). أما الرئيس فيكون العماد عون الذي قرر ألا يتنازل هذه المرة لأحد. هذا الاحتمال ينطلق من بضع مؤشرات وتطورات تراكمت في الفترة الأخيرة ولكنها لم تصبح مكتملة ولا نهائية. وحتى الآن لا مؤشرات عملية وحاسمة في هذا الاتجاه لأن الأمر مرهون باتفاق إيراني ـ سعودي لم يحصل حتى الآن وبضوء أخضر سعودي لـ «المستقبل» لم يصدر بعد للمضي قدما وتطوير التفاهمات مع عون كي تشمل الرئاسة وما بعدها.
6 ـ مع تعذر وتعطل عملية انتخاب الرئيس وتوقف الأمور من جهة 8 آذار عند معادلة «عون رئيسا.. أو لا رئيس»، ومع صعوبة توافر ظروف هذه المعادلة قبل 25 مايو، فإن الاستحقاق الرئاسي يفتح على «الفراغ» وينطلق البحث ابتداء من الأول من مايو في مرحلة ما بعد الفراغ التي ستحكمها حسابات وخيارات مختلفة وقواعد لعبة جديدة.