بيروت ـ زينة طبّارة
رأى الناشط السياسي والاجتماعي د.لقمان محسن سليم ان ما يجري في المنطقة من العراق الى سورية فغزة ولبنان، له قراءتان لا ثالث لهما، الأولى آنية تخضع لسرعة الاحداث والتطورات، والثانية بعيدة المدى تمتد الى عقود طويلة لتتصل مع نشأة الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة بشكل عام وتحديدا مع نشأة الثورة الايرانية في العام 1979 بشكل خاص، حيث شهدت المنطقة العربية قيام مشروع ايراني امبراطوري توسعي يتقدم على حساب شعوب المنطقة، مشيرا الى انه كان من الطبيعي ان يقوم في وجهه ما يتصدى له على المستويين المذهبي والاستراتيجي حتى اذا ما وضعت الامور على الخارطة الزمنية الطويلة يتضح ان ما يجري حاليا هو جزء من تغير مناخي كبير يشهده العالم، تمثل في سقوط الاتحاد السوفييتي وبرجي التجارة العالمية في نيويورك، ودخول ثقافات تكنولوجية جديدة سميت بوسائل التواصل الاجتماعي التي سرّعت عملية نقل الأفكار والاستقطاب والحشد الجماهيري اللامحدود، بمعنى آخر يعتبر سليم ان ما يجري في المنطقة وفقا للقراءة البعيدة المدى وبغض النظر عما ستكون نتائجه، ما هو الا مشهد طبيعي، خمّرته عقود مديدة من المحافظة الغبية والقمع والكبت وسوء التعامل مع الظواهر الدينية.
اما لجهة القراءة الآنية او تفاصيل الحدث، فأشار سليم في حديث لـ«الأنباء» الى انه وانطلاقا من المشهد العراقي كمركز للخبر الاكبر والاكثر استقطابا فان الممارسات البغيضة والمرعبة والتي يتعمد تنظيم «داعش» اشهارها واذاعتها على الملأ، لها وظيفتها الاستراتيجية في المشروع الداعشي، وهي اخافة الناس وترهيبهم لتطويعهم واخضاعهم، وتبين ان داعش ليست ظاهرة سطحية او مؤامرة او دسيسة دُبرت في ليل، انما هو كناية عن مجموعات منظمة تمتلك مشروعا دينيا وهو ما يجعلها تنظيما مخيفا، بمعنى اخر يعتبر سليم ان داعش وبالرغم من تقاطع ممارساتها مع ألعاب استخباراتية دولية الا انه من الخطأ التقليل مما تتركه تلك الممارسات من اثر قد يلهم الآخرين بأن العنف هو الحل، خصوصا ان تنظيم داعش يمثل في عداد ما يمثل، ردا على العنجهية الشيعية التي تكرست منذ العام 2007 حتى اليوم من خلال القوس الايراني الممتد من طهران الى بيروت، ناهيك عن وجود حماسة كبيرة يبديها جزء من الشارع السني سواء لداعش أو لغيرها من الظواهر التي تحاول ان تسترد شيئا من الكرامة السنّية العربية، الا ان اخشى ما يخشاه سليم هو انتقال شعوب المنطقة من الومضاء الى النار، اي من حكم المرشد الى حكم داعش الذي يشكل نهاية المشروع الايراني في المنطقة العربية، لكن يبقى الرهان على حكمة الاعتدالين السني والشيعي لمنع التنين الداعشي من ابتلاع المتحمسين الباحثين عن استرداد الكرامة العربية السنة.
أما بالنسبة لسورية فيعتبر سليم ان كل ما يروج له بأن نظام الأسد يسترد أنفاسه، ما هو إلا كلام قصير النظر لا يتصل الى الواقع بصلة، فما قيل على سبيل المثال عن انتهاء معركة القلمون لصالح حزب الله والنظام السوري، يندرج في إطار إيهام البيئة الحاضنة بقوة «الردع» التي يمتلكها «الوعد الصادق»، إذ تبين مؤخرا ان هناك معركة قلمون2 وقلمون3، وإذ بالنار تقترب أكثر فأكثر من البقاع الشمالي، وإذا نظرنا الى الجبهات المحيطة بدمشق الأكثر اهتماما بها من قبل طهران والتي تعتبرها الأخيرة أيقونة شرعية نظام الأسد، نجد ان جوبر والقابون تشكل معصية على ما يسمى بمنظومة الممانعة، ناهيك عن ان معارك الرقة تؤكد ان حزب الله وإيران وفي أحسن الأحوال سيستمران في القتال لسنين طويلة ودفع الأثمان الغالية إبقاء لنظام الأسد، علما ان كل نظام لا يمكن الدفاع عنه إلا بالدماء، فهذا يعني أنه نظام يعيش على أجهزة الإنعاش الاصطناعي، بمعنى آخر يعتبر سليم ان الحرب في سورية هي حرب استنزاف للطرفين مع فارق ان الخاسر الأكبر سيكون الفريق المتدخل في حرب ليست حربه وعلى أرض ليست أرضه أي إيران وفصائلها المسلحة كحزب الله وأبوالفضل العباس والمقاتلين من أذربيجان.. الخ.
أما على مستوى الحرب على غزة، يعتبر سليم أنه وبغض النظر عما أدى الى اندلاعها، فالإسرائيلي يستخلص من غزة دروس حرب الـ 2006 في لبنان، مع بوليصة تأمين تضمن تحرره من 25 سنة من الصراع الغزاوي، ومن هنا إصرار الحكومة الإسرائيلية على المبادرة المصرية ودور السيسي في إنهاء هذا الصراع الطويل عبر تلزيمه الملف الغزاوي، علما ان أبعاد الحرب في غزة تتجاوز لعبة المفرقعات والصواريخ والمقاومة لتصل الى مخزون غزة من النفط والغازي، ناهيك عن الإسرائيلي يريد في حربه على غزة هزم إيران وطردها عبر تلزيم ملفها لمصر بقيادة السيسي.
أما عن انعكاس ما يجري في المنطقة على لبنان، فلفت سليم الى ان مشكلة لبنان تكمن في سقوطه عن سلم أولويات الاهتمام الدولية وبأن أيا من دول القرار ليس مستعدا لتحريك بنادقه على الساحة اللبنانية، ما يجعل لبنان اليوم ومن وجهة نظر كل المتدخلين في شؤونه إما لاجئا، ومعنى ذلك تحرير الشيكات، وإما انتحاريا ومعنى ذلك امتصاص الخطر، معربا بالتالي عن أسفه لعدم قدرة اللبنانيين على تلقف أبعاد ما يجري في محيطهم لإعادة توضيب القضية اللبنانية وتقديمها بشكل مختلف بما يستدرج اهتمام العالم ويعيد وضع لبنان على سلم الأولويات الدولية، معتبرا ان ما سمّي استقرارا في لبنان شكل سببا أساسيا في إهمال العالم للوضع اللبناني وانه بمجرد ما تشكلت الحكومة السلامية بهذا الشكل المتناقض بين أعضائها الذين لا يلتقون لا في المبتدأ ولا في الخبر، وصلت الرسالة الى اللبنانيين حاملة عنوان «لا رئيس للجمهورية على مدى شهور طويلة» وعلى اللبنانيين أن يتعايشوا على صورة «تصريف أعمال» الى ان يحين أوان افتتاح الملف اللبناني من جديد، مستدركا بالقول إنه حتى وإن هبط «الوحي» على المجلس النيابي وانتخب رئيسا للجمهورية، فإن الرئيس العتيد حزبيا كان أو وسطيا سيأتي محمّلا بأوزار الفراغ الذي سبقه وسيكون أضعف الرؤساء المتعاقبين على رئاسة الجمهورية، أي انه سيكون صورة دون فعل في زمن أقل ما يمكن تسميته بالوقت الضائع.