في موضوع العراق وردة فعل إيران ومستقبل المنطقة، تدور نقاشات سياسية متواصلة في بيروت ولكنها لا ترسو على خلاصات واستنتاجات نهائية. ويتوزع النقاش في اتجاهين أساسيين:
٭ الأول موجود أكثر في الأوساط السياسية الدائرة في فلك 14 آذار وخلاصته:
ـ أن إيران خسرت في العراق خسارة إستراتيجية. ما بنته في خلال سنوات إنهار في أسابيع، ونفوذها بات مقتصرا على بغداد والمناطق الشيعية. إضافة الى انقطاع التواصل الجغرافي بين العراق وسوريا، ما يعد اختراقا للمشروع الإيراني في المنطقة (الهلال الشيعي).
٭ أن إيران ليست قادرة وحدها على استعادة المبادرة والسيطرة في العراق، وهي بحاجة الى مساعدة أميركية لن تكون مجانية وإنما ستكون مقابل تنازلات كان أولها التخلي عن المالكي والقبول بدور أكبر للأكراد والسنة في الحكومة المركزية.
٭ إيران التي تراجعت في الملف النووي لأسباب اقتصادية، ستتراجع أمام الأميركيين في المنطقة لأسباب إستراتيجية لأنها لم تعد قادرة على تنفيذ مشروعها الطموح في المنطقة الذي بات مكلفا ووصل إلى حافة حرب شيعية ـ سنية طويلة ودموية لا مصلحة لإيران في دخولها لأنها ستكون حرب استنزاف على كل الصعد.
٭ هذا الوضع الجديد (ضعف إيران والمعسكر الشيعي) يدفع بقوى 14 آذار وتيار المستقبل خصوصا الى مراجعة الحسابات، و«المستقبل» ليس في إمكانه عدم مجاراة مناخ ونبض الشارع السني الذي يرى في هذه التطورات انتعاشا معنويا وبارقة أمل في تصحيح ميزان القوى الإقليمي، والذي لا يستسيغ ولا يتقبل واقع التعاون والتنسيق بين المستقبل وحزب لله تحت عنوان محاربة الإرهاب الذي يصب في خدمة حزب لله ويغطي قتاله في سورية.
وقيام المستقبل بهذا الدور والتموضع يجب أن يقابله رفع السعر والثمن الذي على حزب الله أن يقدمه مقابل التغطية السنية السياسية والأمنية التي يؤمنها له الحريري. وهذا الثمن يكون في تعديل شروط وقواعد اللعبة السياسية وفي الإتيان برئيس توافقي الأرجحية فيه لـ «المستقبل» و14 آذار.
الثاني موجود أكثر في الأوساط السياسية الدائرة في فلك 8 آذار وفحواه:
٭ لا رهان ولا أمل في حدوث مفاجآت وتحولات مهمة في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مادام الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض. أوباما عازف عن تدخلات برية وحروب عسكرية جديدة وملتزم «إستراتيجية انسحاب» من المنطقة. والفراغ الأميركي تملؤه إيران أكثر من غيرها لأنها الأكثر حضورا ونفوذا على الأرض.
٭ إيران فوجئت وصدمت بالأحداث في العراق وخرجت خاسرة من الجولة الأولى في عملية «لي الذراع» الإيرانية، ولكن خسارتها مؤقتة وهي لم تفقد إمكانية وفرصة استعادة زمام المبادرة.
٭ ما تفعله إيران أنها تعمل على امتصاص الصدمة والموجة الأولى، وتنصرف لإعداد مسرح الأحداث والحرب المقبلة عبر تطويع مئات الآلاف من الشيعة العراقيين وتدخلها لاستيعاب وتدريب هذه الأعداد والتدخل بالمال والسلاح والتجهيز والمخابرات والقصف الجوي إذا دعت الحاجة. والشيء الوحيد الذي تتفاداه إيران هو إرسال جنود الى العراق والتدخل العسكري المكشوف الذي يكرر تجربة الاحتلال الأميركي.
٭ إيران مستعدة للتدخل في العراق ودعم حكومته وجيشه لحسم الوضع عسكريا، وتعتبر نفسها قادرة على ذلك، ولكنها تريد استدراج أميركا الى لعبتها وتريد منها تفويضا وتلزيما.
٭ المعركة الأساسية ومركز الحدث الآن في العراق. بعد حسم الوضع في العراق يسهل حسم الأزمة في سورية.
وإيران تشتغل على أساس أن أميركا بحاجة الى مساعدتها لمحاربة الإرهاب، وأن على أميركا لن تقدم مقابلا وثمنا سياسيا لذلك يتمثل خصوصا في الاعتراف بدور إيران الإقليمي وفي تقاسم المنطقة معها. كما تشتغل إيران على أساس أن المنطقة محكومة بتحالف إقليمي دولي ضد الإرهاب، وأن إيران والجيش العراقي والجيش السوري وحزب لله هم موضوعيا في هذا التحالف.
٭ التغييرات ستحصل داخل دول المنطقة وليس بين دول المنطقة، بمعنى أن ما يقال عن إلغاء حدود وقيام دول جديدة ليس صحيحا وليس واقعيا، وحتى دولة كردستان لن تقوم، وستبقى الأمور متوقفة عند حدود الإقليم الكردي في العراق وكردستان العراق. والبديل هو قيام أقاليم وكيانات ضمن الدولة الواحدة (فدرلة العراق وسورية) وليس التقسيم الذي يؤدي الى نشوء دويلات أو دول جديدة.
٭ حزب الله في هذه المرحلة سيكون مرنا في تعاطيه مع المستقبل والحكومة لإبقاء الستاتيكو الحالي في لبنان، ولأن المعركة الأساسية هنا ولأنه يهمه تعاون المستقبل وغطاؤه في موضوع الإرهاب والفتنة. وسيكون متشددا في تمسكه بأوراقه وعدم تقديم تنازلات جديدة، خصوصا في موضوع رئاسة الجمهورية. يمكن القول إن حزب الله بعد أحداث العراق بات متمسكا أكثير بـ «ميشال عون» للرئاسة.