من حيث المبدأ والواقع وظاهر الأمور «التمديد النيابي» حاصل ومحسوم وما يجري مناورات ومناكفات تحسين الشروط أو تقاذف الكرة وتجيير المسؤوليات.
والانطباع العام أن جلسة التمديد قررت والمسألة مسألة توقيت وبعدما كان موعدها نهاية هذا الشهر أرجئت الى الشهر المقبل لمعالجة إشكالات استجدت، وأن القرار السياسي بالتمديد متخذ والخلاف محصور في مدة التمديد وهل تكون سنتين وسبعة أشهر كما هو مرجح أم تخفض الى سنة واحدة إذا كان التخفيض شرطا وثمنا لتخفيف حالة الاعتراض؟
ولكن استجدت في الساعات الماضية تطورات ومواقف دلت الى وجود قطبة مخفية وهامش مفاجأة، وهذا ما يمكن تبينه من استعراض المشهد السياسي الخاص بمشروع التمديد وخارطة المواقف المتعلقة به على النحو التالي:
1- بدا تيار المستقبل وكأنه من يقود مشروع التمديد النيابي ويضع كل ثقله لتمريره وكأنه هو وحده أو أكثر من غيره صاحب المصلحة في التمديد وغير الجاهز للانتخابات.
وهذا على الأقل ما أوحت به حركة «المستقبل» والإدارة السياسية لمعركة التمديد التي لم تكن موفقة وأفضت الى وضع كرة التمديد في ملعب الحريري.
في «المشهد السياسي» بدا تيار المستقبل مستعدا لتقديم تنازلات مقابل التمديد أبرزها ما يتعلق بقبوله «تشريع الضرورة» في ظل الفراغ الرئاسي، وبدا مهددا بسحب ترشيحاته ومقاطعة الانتخابات النيابية إذا كانت ستجري قبل الانتخابات الرئاسية، مع العلم أن لا مؤشرات الى انتخاب رئيس جديد في المدى المنظور.
كما بدا أن كل الحركة السياسية في اتجاه القيادات المسيحية (لقاءات الحريري مع الراعي في روما ومع جعجع والجميل في جدة) هدفها التمديد النيابي ولا علاقة لها بالانتخاب الرئاسي.
وهذا الانطباع كرسه الرئيس فؤاد السنيورة عندما أعلن أمس من مجلس النواب أن «التمديد أكثر استعجالا من السلسلة».
ويرى خصوم تيار المستقبل أنه كشف عن رغبة جامحة في التمديد والسبب الفعلي لا يتصل بالوضع الأمني وإنما بـ«الوضع السني»، لأن تيار المستقبل ليس جاهزا للتعاطي مع تحولات تشهدها الساحة السنية، وبـ «الوضع السياسي» لأن التمديد يحقق له أمرين حيويين: استمرار حكومة سلام التي يستحوذ فيها على الوزارات الأمنية والحساسة، واستمراره الكتلة النيابية الأكبر حجما.
2- بدا الرفض الأساسي لـ «التمديد» متأتيا من الفريق المسيحي بشقيه الآذاريين (8 و14) وأيا يكن سبب هذا الرفض وسواء كان نابعا من «مبدئيات» أو مزايدات ومناورات، فالنتيجة أن كل المعسكر المسيحي لا يريد «التمديد النيابي» الذي سيؤدي الى تكريس الفراغ الرئاسي وإطالة أمده.
وفي وقت مازال موقف القوات والكتائب على حاله حتى الآن لجهة رفض الأولى التمديد مع الاستعداد للمشاركة في الجلسة، وميل الثانية الى عدم حضور الجلسة، فإن تطورين بارزين حصلا في الساعات الماضية: الأول جاء من جهة البطريرك بشارة الراعي الذي أعلن بعد عودته موقفا مفاجئا في وضوحه وتوقيته ضد التمديد، كاشفا عن جانب من اجتماع روما والهدف الذي سعى إليه الحريري في الاجتماع.
وقال الراعي: «كان هم الرئيس الحريري أن يقول نقطة أساسية، هي أننا لم نستطع انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت المحدد، والآن وصلنا إلى استحقاق آخر في المجلس النيابي، ولا نستطيع إجراء انتخابات نيابية، لذلك، ومنعا لحصول الفراغ ليس أمامنا إلا التمديد.
وقد قلت له أنا لا أتدخل في هذا الموضوع، وما دمتم تريدون التمديد فأنتم تخالفون بذلك الدستور، وتخالفون رأي الشعب الذي انتخب النواب لمدة معينة.
وأنا لن أبارك لأحد بالتمديد، ولن أبارك بمخالفة الدستور».
والتطور الآخر مرتبط بالعماد ميشال عون الذي طور موقفه من اعتراض على التمديد من باب تسجيل موقف الى التلويح باستخدام كل الإجراءات القانونية المتاحة في عملية رفض التمديد والطعن به.
وهذا التطور على الساحة المسيحية أعاد خلط الأوراق ودفع بالرئيس بري الى التريث بانتظار جلاء الصورة.
فالرئيس بري القائل بأنه لا يسير بـ «انتخابات» من دون المستقبل ومشاركته لا يمكنه أن يسير بـ «تمديد» من دون المسيحيين ومن دون تغطية مسيحية للاعتبارات الميثاقية عينها لأن تصويت النواب المسيحيين المستقلين في ضفتي 8 و14 آذار غير كاف في ظل اعتراض بكركي والرابية ومعراب وبكفيا.
3- إذا كان تيار المستقبل لم يحسن إدارة معركة التمديد، فإن الرئيس نبيه بري أحسن التصرف وتوصل الى أن يضع نفسه في منأى ومأمن عن التمديد مع أنه المستفيد الأول منه، وأن يحشر المستقبل في زاوية الوقت والتنازل السياسي الذي يتجاوز موضوع إقرار سلسلة الرتب والرواتب الى ما يتصل بالوضعين الحكومي والرئاسي، خصوصا أن موقف حزب الله لم يتضح بعد وهو يعتبر القطبة المخفية في ثوب التمديد الذي يفصله بري ويريد المستقبل ابتياعه.
وخلاصة الوضع الآن أن لعبة التمديد تلعب على «حافة الهاوية» ولا تخلو من مخاطر.
فنحن الآن أمام احتمالين: تمديد يصعب تمريره وانتخابات يصعب إجراؤها.
وهذا يعني أن الاحتمال الثالث بدأ يطل برأسه وهو الفراغ النيابي إذا لم يقر التمديد ولم تحصل الانتخابات.
و«شبح الفراغ النيابي» من شأنه أن يدفع الى تنازلات وتعديلات في قواعد اللعبة لتفادي الفراغ وما سيؤدي إليه من «انهيارات»، ومن هذه التعديلات الربط بين الاستحقاقين النيابي والرئاسي، بمعنى أن المستقبل إذا كان يريد أن يأخذ التمديد النيابي فعليه أن يعطي في الاستحقاق الرئاسي.