معركة القلمون بدأت «إعلاميا» منذ أيام ويتوقع لها أن تبدأ «عمليا» بعد أيام. هذه المعركة اقتربت ساعة الصفر فيها واكتملت التحضيرات والخطط العسكرية لها من قبل الطرفين، وباتت جاهزة للتنفيذ. وهذه التحضيرات تعكس الحجم الكبير للمعركة الممتدة على مساحة جغرافية واسعة وما تتطلبه من إمكانات ضخمة وخطط لوجستية معقدة ومن مهلة زمنية لحسمها تعد بالأسابيع وليس بالأيام. ولكن هذه المعركة الحدودية الفاصلة التي هي على تماس مع الوضع السوري في تطوراته العسكرية، لاسيما في الجنوب، وعلى تماس مع الوضع اللبناني في ارتداداتها الأمنية والسياسية عليه، أخذت تثير خلافات وتباينات حولها داخل لبنان وقبل أن تبدأ. وهذه الخلافات تتمحور حول نقطتين أساسيتين:
٭ أسباب المعركة وأهدافها: لماذا تقررت ولأي سبب وهدف؟ حزب الله يضع المعركة في «إطار لبناني» طاغ محددا هدفها في حماية الحدود من المجموعات المسلحة المتمركزة في جرود عرسال وتلك المقابلة لبلدة رأس بعلبك، وبالتالي إقفال الثغرة التي تشكلها المناطق الحدودية، ووقف تسرب وتغلغل ما يسميه «الإرهاب التكفيري» باتجاه الداخل اللبناني الذي كان شهد في أوقات سابقة تفجيرات وعمليات إرهابية، وفي أكثر من منطقة.
وأما تيار المستقبل فإنه يضع المعركة في إطار سوري معتبرا أن العامل الأهم الدافع إليها يتعلق بهزائم النظام وتراجعه في مناطق استراتيجية عدة، آخرها بصرى وجسر الشغور، بحيث تكون السيطرة على القلمون بمثابة تعويض معنوي للنظام السوري، إضافة الى هدفها العسكري المتمثل في توفير الحماية للعاصمة دمشق والمناطق المحيطة بها وتأمين طريق دمشق حمص والمناطق الممتدة بين ريف دمشق ولبنان.
ويذهب «المستقبل» الى أبعد من ذلك بإسباغ بعد إقليمي على معركة القلمون ذي صلة بالتطورات التي حصلت في اليمن للحد من الخلل في التوازن الإقليمي، وبالتالي فإن معركة القلمون ليست معركة استباقية ضد الإرهاب بقدر ما هي رد وقائي على المنحى الهجومي الذي بدأ في اليمن ويمكن أن يمتد الى سورية.
٭ تقييم نتائج وتداعيات المعركة على الداخل: تيار المستقبل، مع حلفائه في 14 آذار، لا يخفي قلقه من الوضع الذي سينشأ بعد انطلاق هذه المعركة وما ستسببه من توترات وانعكاسات سلبية على الوضع اللبناني «الهش والدقيق» في غنى عنها. فهذه المعركة لا يمكن التكهن بمسارها بحيث يمكن أن تجنح في اتجاه الداخل اللبناني سواء عبر تسلل وهرب مجموعات مسلحة باتجاه عرسال، أو عبر عمليات قصف صاروخي لبلدات بقاعية. ولا يمكن التقليل من خطرها السياسي والطائفي.
فمن جهة تؤدي الى إذكاء الاحتقان السني- الشيعي، ومن جهة ثانية تتسبب في توتير الأجواء داخل الحكومة وعلى طاولة الحوار في عين التينة، لأن حزب الله سيسعى الى الحصول على تغطية سياسية من تيار المستقبل تحديدا لهذه المعركة وعلى مساندة الجيش اللبناني لتأمين «ظهره».
وهذه كلها أمور دقيقة وحساسة تؤدي من جهة الى حشر المستقبل أمام جمهوره وفي بيئته التي تعيش حالة انتعاش بعد تطورات اليمن وسورية، وتؤدي من جهة ثانية الى إحراج الحكومة التي ليست في وارد إعطاء الضوء الأخضر للجيش للانخراط في هذه المعركة أو للتنسيق والتعاون مع الجيش السوري أيا كانت الظروف، وتؤدي من جهة ثالثة الى وضع الجيش في وضع دقيق على الأرض حتى لو حددت مهمته في التصدي للمسلحين إذا حاولوا التسلل والتقدم.
حزب الله من جانبه، يقلل من أهمية وحجم تداعيات معركة القلمون على الداخل اللبناني وانعكاساتها السلبية. هو يرى أن هذه المعركة تحظى بموافقة وتغطية دولية وإقليمية ضمنية لأنها معركة ضد الإرهاب، وأن قرار الحفاظ على الاستقرار في لبنان مازال ساريا بالتلازم مع قرار ضرب الشبكات والخلايات الإرهابية.
ولذلك فإن عملية تسليح الجيش تستمر وكذلك عملية الحوار بين حزب الله والمستقبل وفي ظلها الخطط الأمنية في كل المناطق. حزب الله يعتبر أن المعركة قادمة لا محالة وقريبا جدا، وأن الموقف اللبناني الرسمي والسياسي هو ضد الإرهاب وهذا قاسم مشترك كاف لتمرير معركة القلمون والحد من سلبياتها.