بيروت ـ جويل رياشي
لم يكن «بيبي عبد» إنسانا عاديا، ولا الـ «الفيشينغ كلوب» الخاص به مكانا اعتياديا. صور مشاهير ورؤساء دول وديبلوماسيين ونجوم سينما عالميين وأمراء وجنرالات تزين جدران هذا القبو المطل على ميناء جبيل الذي حوله مطعما ومتحفا. هذا المكان شهد العصر الذهبي لمدينة جبيل مع هذا الرجل الاستثنائي pepe abed.
ما ان تطأ قدماك مدخل الـ «فيشينغ كلوب» حتى يترائى لك طيفه معتمرا القبعة البحرية التي لم تفارقه يوما. هذا ليس مجرد مطعم سمك، بل خزان ذكريات تطاردك من زاوية الى زاوية.
أكثر من 400 قطعة يحويها «متحف بيبي عبد» الملاصق للمطعم والذي قدمه الراحل الى وزارة الثقافة ليتم الحفاظ عليه.
جرار من الفخار وتماثيل فينيقية وبيزنطية ويونانية وإسلامية ورومانية ونقود وأحجار قديمة وأصداف وتماثيل تملأ المكان العابق برائحة التاريخ... وفي المطعم ديكور متوسطي وفينيقي باللونين الازرق والابيض وسلال قش وأصداف مزروعة بالأرضية، وقارب على شكل طاولة ومئات الصور تجمع بيبي بمارلون براندو وايزابيل دو فرانس وداليدا وشارل ازنافور وجوني هاليداي وشانتال غويا وفرانك سيناترا وداليدا، ورسائل من كتاب وشعراء وصحافيين وسفراء ورؤساء دول زاروه في جبيل وأعجبوا بما حققه لهذه المنطقة.
ويقول ابنه روجيه الذي يتابع والعائلة مسيرة والده: «الدولة اللبنانية قامت بواجبها مع بيبي في حياته وبعد وفاته ومنحته أوسمة وميداليات، وكذلك بلدية جبيل كرمته في عهد رئيسها جينو كلاب وسمت الشارع حيث الفيشينغ كلوب باسمه»، مشيرا الى ان العميد الراحل ريمون اده قال عن بيبي: «بعد أدونيس، بيبي هو مجد بيبلوس».
ويعود روجيه بالتاريخ الى أوائل الستينيات من القرن الماضي حين عاد بيبي من المكسيك، حيث كان يعمل مع قريبه الملياردير ميشال العبد، وبنى المجمع السياحي الشهير «أكابولكو» في بيروت (مسبح وشاليهات ومطاعم بطابع مكسيكي).
ويتابع: «في ذلك الوقت كانت منطقة الاوزاعي منطقة ميتة، فأنعشها بيبي بهذه الجنة التي سماها أكابولكو.
وفي ذات يوم، كان في جولة بزورق احد الأصدقاء فاكتشف ميناء جبيل.
لفته المكان بجماله رغم الاوساخ التي كانت تغطيه والمسلخ على جانبه.
عاد بعد أيام وقرر امتلاك القبو المهجور المطل على الميناء ونظفه وحسنه وفتح المطعم الشهير، فأنعش المنطقة تماما كما فعل في الاوزاعي.
وتوسعت مشاريع بيبي السياحية ففتح الادميرال كلوب في صور والهاسييندا في عمشيت وفندق bachus في وادي ابو جميل.
كان الناس يتهمونه بالجنون ولكنه بجنونه هذا كان يسلط الضوء على مناطق جميلة من لبنان. كان رؤيويا».
ثم يتحدث روجيه عن الحرب التي «أطاحت بكل مشاريعنا، منها ما احتل ومنها ما قصف... ولكننا قررنا الصمود في جبيل.
أبقينا المطعم مفتوحا رغم الحرب وكنا نستقبل الصحافيين الاجانب الذين يقصدون لبنان لتغطية الاحداث، ومنهم برانت سادلر من السي ان ان.
كنت كل ما أرى صحافيا يقصد المطعم، اعرف انها (الحرب) ستندلع من جديد».
ويضيف: «كان بيبي على علاقة جيدة بالصحافيين الاجانب، يحب ان يبرز لهم افضل صورة عن لبنان وضيافة أهله، لذا ذاع صيته في الخارج واشتهر وجذب آلاف السياح... المشكلة هي اننا، نحن آل العبد، نحب لبنان كثيرا، رغم الحروب وانهيار مصالحنا وبعض الحساد.
بيبي عبد لم ييأس يوما ولم يمل، كان يبني حيث يهدم الآخرون.
أطلق عليه بعض الغيارى لقب «قرصان بيبلوس» نظرا للكنوز التي كان يجمعها من قعر البحار، ولكن في هذه التسمية تجن لأنه قدم متحفه لوزارة الثقافة اللبنانية، ولم يبع هذه الآثار والجرار التي انتشلها بيديه على امتداد الشاطئ اللبناني».
عاش بيبي عمرا مديدا تخطى التسعين عاما محتفظا بوعيه وذاكرته المتقدة، واختار مسبقا وجهته في الرحلة الابدية: بيبلوس.
وهو يرقد الآن على مدخلها الجنوبي في مدفن تابع لكنيسة سيدة البحار يليق بشخصيته، هو الذي أوصى بترك نافذة صغيرة ليتنشق منها هواء بحر جبيل.