بيروت: تجاهل مجلس الوزراء لموضوع زيارة الوزراء الثلاثة الى دمشق، رغم ما أثاره من توتر وانقسام داخل الحكومة وخارجها، وعدم ذهاب وزير الاقتصاد رائد خوري الى دمشق رغم الدعوة الرسمية التي وجهت إليه، مؤشران يدلان على أن الرئيس ميشال عون حريص على عدم إلحاق الأذى بعلاقته مع رئيس الحكومة سعد الحريري وعدم تعريض الحكومة لخطر التشقق والتفكك والوصول الى «حافة الانهيار».
إذا كان الاستقرار السياسي مشروطا باستمرار الحكومة، فإن وضع الحكومة يتوقف أولا على العلاقة بين الحريري وعون. فطالما هذه العلاقة قائمة على الثقة والتعاون يكون بالإمكان امتصاص الأزمات وإدارتها وتحييد الحكومة، ومن اللحظة التي تصاب فيها هذه العلاقة الثنائية بخلل أو عطب، تصبح الحكومة في خطر ويبدأ العد العكسي لسقوطها.
حتى الآن تحافظ العلاقة بين عون والحريري على قدر عال من الانسجام والتماسك والثقة المتبادلة، الى درجة أن الحريري بات يعطي أولوية للعلاقة مع الرئيس عون وأدار ظهره لحليفيه نبيه بري ووليد جنبلاط، وأن مجلس الوزراء يكاد أن يكون منقسما (في الملفات غير السياسية) بين محورين: الأول ثابت وضم وزراء عون والحريري، والثاني متحرك ويتغير تبعا لكل ملف ويضم الباقين، والى درجة أن «التحالف» بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر بات مميزا ومتقدما على أي تحالف آخر، ويكاد أن يكون هو التحالف المؤكد من الآن في الانتخابات النيابية المقبلة.
هذه العلاقة المميزة بين عون والحريري هي التي أتاحت تمرير الكثير من التعيينات الحساسة (قيادة الجيش والأجهزة الأمنية وحاكمية مصرف لبنان..)، وطي ملف قانون الانتخاب بعد طول صراع مع التجاذبات والخلافات، وحيث كان التنسيق في هذا الملف على أشده بين سعد الحريري وجبران باسيل مع أن النتائج لم تأت مفصلة تماما على قياس مصالحهما، واستطاع عون والحريري معا تجاوز ضغوط إقليمية واستباق عقوبات أميركية وتحييد لبنان عن المحاور والصراعات الإقليمية. ولكن حدث في الفترة الأخيرة ما أدى الى أن تدخل عوامل ومؤثرات جديدة على خط هذه العلاقة وضاغطة في اتجاه إحداث تبديل في مناخها ومسارها، عندما وضع ملف العلاقة مع سورية على جدول أعمال الحكومة والمرحلة، وجرى طرح هذا الملف من قبل حزب الله وحلفائه من زاوية أن الوقت قد حان لنقل العلاقة مع سورية الى مرحلة جديدة من التنسيق الرسمي والعلني، ولخلق دينامية جديدة في هذه العلاقات تتماشى مع الواقع الميداني على طول الحدود اللبنانية ـ السورية، ومع تطورات الأزمة السورية المتجهة الى تسوية سياسية على قاعدة بقاء الرئيس بشار الأسد. وبالتالي فإن حزب الله يريد ترجمة «الانتصارات» العسكرية المتدحرجة على «أرض» العلاقات اللبنانية ـ السورية وتحت عنوان «حتمية وضرورة التنسيق بين الحكومتين في ملفات النزوح والاقتصاد، وبين الجيشين في ملفات الأمن ومحاربة الإرهاب».
هذا التوجه أثار حفيظة الرئيس الحريري وحلفائه في الحكومة وأولهم وزراء القوات اللبنانية وتسبب في إحياء الانقسام السياسي والاصطفافات السابقة. فقد اعتبر الحريري أن في الأمر إخلالا في قواعد اللعبة ومبادئ التسوية المتفق عليها وأنتجت رئيسا للجمهورية وحكومة وقانون انتخابات. فقد اتفق على «ربط نزاع» وإبقاء كل الخلافات والملفات السياسية جانبا والنأي بالنفس عن الأزمات والمحاور الإقليمية، ولكن حزب الله قرر فجأة وضع ملف العلاقة مع سورية «على الطاولة»، ودفع الحكومة اللبنانية الى نقطة جديدة والى تموضع تبدو فيه أقرب الى المحور السوري ـ الإيراني. وهذا التوجه لا يمكن للحريري أن يحمل تبعاته ونتائجه، ولكنه ليس في الوضع الذي يسمح له بالذهاب في رد فعله الى أكثر من ردود فعل سياسية موازية والتلويح بفتح ملفات خلافية أخرى مثل ملف سلاح حزب الله وإحياء الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية، ومثل ملف القرار 1701 والدعوة الى توسيع تطبيقه ليشمل الحدود الشرقية مع سورية، وأما الذهاب الى خيار الاستقالة، فإنه ليس واردا ولا ممكنا في هذه المرحلة لأن أحدا لا يريد الوصول الى هذا المفترق وخروج الوضع عن السيطرة، ولأن الحكومة مستمرة حتى الانتخابات النيابية بفعل التسوية السياسية التي مازالت سارية المفعول وحزب لله ملتزم بها، ومادامت العلاقة الوطيدة قائمة بين عون والحريري التي هي في أساس الاستقرار السياسي والحكومي.