أقفل العام 2009 على زيارة تاريخية للزعيم السني الرئيس سعد الحريري الى دمشق فهل يفتح العام 2010 على زيارة مماثلة للزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط؟
عندما قرر جنبلاط انعطافته السياسية الجذرية بناء على تطورين العام الماضي: ميزان القوى الجديد والواقع الناشئ عن أحداث 7 مايو، ونتائج زيارته الأخيرة الى واشنطن في آخر أيام الرئيس بوش، فإنه اتخذ قرارا لا رجعة فيه الى الوراء واضعا نصب عينيه هدف الوصول الى دمشق مهما كلف الأمر.
كان جنبلاط يعرف صعوبة الوضع وحجم الاستياء والمرارة لدى القيادة السورية إزاءه وحجم الثمن المتوجب عليه دفعه للخروج من المرحلة الماضية وإعادة وصل ما انقطع وإعادة بناء ما تهدم وما نسفه هو من جسور العلاقة، أشياء كثيرة فعلها جنبلاط وخطوات «صعبة وشجاعة» قام بها لمصالحة دمشق منذ ما بعد الانتخابات النيابية: المصالحة مع حزب الله، إعلان خروجه من حركة 14 آذار في عز معركة الحكومة وإضعاف موقعها التفاوضي، اجتماعه مع الجبهة الشعبية القيادة العامة، لقاء المصارحة والمصالحة مع الحزب القومي السوري الاجتماعي (ولاحقا حزب البعث)، مصالحة النائب سليمان فرنجية ومن ثم العماد عون برعاية الرئيس ميشال سليمان، أما الخطوة المتبقية في سلسلة الاعتذارات والمصالحات فهي المصالحة مع الرئيس اميل لحود والاعتذار منه.
ورغم كل ما فعله جنبلاط وبادر إليه حتى انه بدأ في الآونة الأخيرة بإطلاق إشارات سياسية تفيد بأنه خرج نهائيا من 14 آذار منتقدا مواقف حلفائه ومتعارضا معهم في مسألة المقاومة والسلاح، ومبديا استعدادا للتنسيق والتعاون مع قوى المعارضة وأولهم حركة أمل في انتخابات نقابية وطلابية ومشركا العماد عون في ملف الجبل، فإن كل ذلك لم يفتح طريق دمشق أمامه ولم ترد إشارات من دمشق تفيد بأنها مستعدة لتلبية رغبته بزيارتها بعد زيارة الحريري، وهذه الرغبة كان عبر عنها جنبلاط تكرارا منذ أشهر لدرجة انه ولد انطباعا بأنه ينتظر الحريري، وان زيارة الحريري الى دمشق هي التي تؤخر زيارته وهي التي تفتح له الطريق، ولكن ما حصل ان زيارة الحريري تمت وأحيطت بكل مظاهر الحفاوة والحرارة، فيما تبدو زيارة جنبلاط مؤجلة حتى إشعار آخر، وعلى الأقل ليست حاصلة في وقت قريب، وان طريق دمشق لم يفتح أمام جنبلاط وان زيارته تحتاج الى مزيد من الوقت والجهد والى نوع ومستوى آخر من التدخل والوساطة، وقد يستدعي الأمر دخول السيد حسن نصرالله شخصيا على خط التقريب بين دمشق وجنبلاط الذي سيبقى أمامه تنفيذ ما تبقى من شروط والتزام «خريطة الطريق» التي توصله الى دمشق والمحددة من قبلها.
وأول هذه الشروط «الاعتذار العلني» من سورية، رئيسا وشعبا، على إساءاته الشخصية والسياسية التي تركت جرحا عميقا لدى السوريين مازال يحضهم على اعتبار ان جنبلاط غير مرغوب به في دمشق الى ان يزيل كل الآثار السلبية للمرحلة الماضية، وهذا الاعتذار يمكن ان يحصل في يوم 14 فبراير وفي خطاب يلقيه جنبلاط في الذكرى الخامسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، أو يمكن ان يحصل في خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة «الجزيرة» ذات الانتشار العربي الواسع.
وما يتسرب من دمشق ومصادرها يفيد بوضوح ان القيادة السورية لم تبلغ بعد مرحلة الصفح الكامل والنهائي عن جنبلاط الذي لم تكتمل مقومات وشروط زيارته الى دمشق بعد، وان موضوع جنبلاط هو عند الرئيس بشار الأسد شخصيا وهو مختلف تماما عن موضوع الرئيس سعد الحريري وزيارته الى دمشق، لأن دمشق يمكن ان تجد تبريرا لما قاله وفعله سعد رفيق الحريري في السنوات الماضية وهو ليس مدينا لها فيما بلغه أو ورثه من زعامة، فيما يصعب عليها ان تبرر أفعال وأقوال جنبلاط الذي ذهب بعيدا جدا في مهاجمتها بعدما كانت هي ذهبت بعيدا جدا في احتضانه وتقويته منذ حرب الجبل عام 1983.
دمشق تعبر عن «استياء دفين وعميق» لديها إزاء جنبلاط، ولا تبدو واثقة ولا متحمسة لتجربة جديدة معه، وهي قررت استيعابه بشروطها والتعاطي مع ما يمثله من واقع سياسي وزعامة درزية ولكنها تفضل على ما يبدو ان تكمل مستقبلا مع نجله تيمور من حيث توقفت العلاقة وانقطعت معه قبل خمس سنوات.