عاد لبنان الى النقاش الإسرائيلي في إطار محورين أساسيين: وضع الحدود الشمالية وتحويلها الى جبهة حربية في ظل ارتفاع مكانة حزب الله سياسيا داخل لبنان وتعاظم قدراته العسكرية، من جهة، وما تدعيه إسرائيل من دور كبير لإيران في المنطقة عموما، ولبنان على وجه الخصوص، من جهة أخرى. وقد توج رئيس أركان الجيش، غابي اشكنازي، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، النقاش بالعودة الى اطلاق نغمة التهديدات، فقالا إن الهدوء الذي يسود المنطقة نابع من قوة الردع التي حققها جيشهما في حرب يوليو 2006، وإن مثل هذا الردع، سيحتاج الى وجبة أخرى بسبب تعزيز القوة العسكرية لحزب الله، ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لانهيار الهدوء الذي تشهده المنطقة الحدودية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وفي غضون ذلك، يكثف السياسيون والعسكريون الحديث عن الموضوع ليتفقوا جميعا على أن ارتفاع سقف التهديدات للبنان نابع في الأساس من قرار رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، ضم حزب الله الى الائتلاف الحكومي، وهو قرار اعتبره الإسرائيليون خطوة خطيرة تنذر باحتمال خرق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 ما يجعل لبنان كدولة جزءا مما يسميه الإسرائيليون «محور الشر». وحسب ما يقول تسفي مازال من مركز القدس للشؤون العامة والذي شغل منصب سفير إسرائيل في أكثر من دولة، إن الوضع الحالي في لبنان يظهر ازدواجية خطيرة، حيث يعمل جسمان عسكريان في مكان واحد ولكن من دون قائد مشترك، وفي الوقت نفسه فإن الحكومة اللبنانية، وبقرار الحريري، تعطي شرعية لحزب الله لتعزيز قدراته العسكرية والتمسك بسلاحه مقابل التعاون مع الجيش اللبناني.
ويتفق مازال في هذا مع عدد ليس قليلا من العسكريين والسياسيين، الذين ساهموا في وضع سيناريوهات مختلفة حول أبعاد وجود حزب الله في الحكومة اللبنانية. الأمنيون في مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب التابع لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية يرون في بحث حول الموضوع «إن قرار حكومة لبنان برئاسة الحريري الاعتراف بشرعية وجود المليشيات المسلحة التابعة لحزب الله، يثبت أن احتمالا بأن يكون لبنان قد عبر مسيرة «حزبلة» (نسبة الى حزب الله)، هو أكبر من احتمال أن يكون حزب الله قد «تلبنن» (نسبة الى لبنان)». وهكذا، فإنه الى جانب تبني الفكرة الوطنية اللبنانية، حافظ حزب الله على ارتباطه الجوهري مع إيران.
وفي ظل التطورات الأخيرة يقول تسفي مازال إن الوضعية التي يعيشها الشرق الأوسط تخلق تحديات خطيرة جدا تجاه دول المنطقة نفسها وتجاه المجتمع الدولي. ففي لبنان عندما تكون أحزاب المعارضة بقيادة حزب الله خارج الحكومة يكون الوضع مختلفا آليا عما هو الحال لو دخلت الى الائتلاف. ودخول حزب الله جاء خلافا لرغبة الأغلبية اللبنانية، كما ظهرت في نتائج الانتخابات. ويزعم أن سعد الحريري ألزم بتشكيل حكومة «وحدة وطنية»، وأكثر من هذا يضيف: «فإن العلاقة التي يقيمها الحريري مع حزب الله تناقض آليا القرار الدولي 1701 الذي حسم بأنه لا يسمح إلا بوجود سلاح الجيش اللبناني. ويخلص مازال الى القول إن الشرعية التي منحتها حكومة الحريري لحزب الله كقوة محاربة هي شرعية جدية للغاية.
أما الخبير العسكري رونين بيرغمان فوصل الى أبعد من ذلك ورأى أن وضعية حزب الله اليوم ومواصلة توثيق علاقته مع سورية وإيران تساهم بشكل كبير في توثيق العلاقة أيضا مع حماس، وهنا تكمن الخطورة. ويقول بيرغمان معلقا على تصريحات رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، عاموس يدلين، حول مصير الهدوء الذي تشهده الحدود الشمالية والجنوبية وقوة الردع التي يعتبرها الإسرائيليون إنجازا لحربي غزة ويوليو: «إن جهاز الموساد الإسرائيلي يرى أن إنجازات حزب الله في حرب 2006 وسلسلة الضربات التي تلقاها بعد ذلك كل أعضاء محور الشر، ساعدا على توثيق العلاقة بين حزب الله والجهات الأخرى في محور الشر وأن التعاون بينها بات مذهلا حقا، لا سيما إذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن الحديث يدور عن ربط بين الإسلام المتطرف الشيعي، الجهاد السني ونظام علماني، وهو الربط الذي يرى في كل الباقين تقريبا عبدة أصنام». وبحسب هذه الرؤية الإسرائيلية، فإن وجود حزب الله في الحكومة اللبنانية يعني أن لبنان كدولة هي الأخرى انضمت الى محور الشر.
كيف ستتعامل حكومة لبنان مقابل إسرائيل؟ سؤال طرحه الإسرائيليون لكنهم لم يأتوا بالرد الكافي واقتصروا على القول إن «لبنان بات اليوم جزءا من محور الشر». ويضيفون انه من جهة إسرائيل فإن الوضع على الحدود اللبنانية يتفاقم نحو الأسوأ رغم ما يظهر على أرض الواقع من هدوء.
وفي ظل التطورات الجارية، يقدم الإسرائيليون نصائحهم الى المجتمع الدولي في كيفية التعامل مع الوضع الجديد في لبنان و«المعقد»، على حد وصفهم. وجاء في بعض ما قدم من نصائح: «لقد أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب الله تنظيما إرهابيا وهذا يعني على نحو غير قابل للتأويل عدم إقامة أي علاقة مع هذا الحزب» بحسب ما يقول الباحث مازال، ويضيف ان عددا من الدول الأوروبية تدعي انه يجب الفصل بين الذراع السياسية للحزب والميليشيات العسكرية، وبناء على ذلك عقدت لقاءات بين نواب من حزب الله وشخصيات بريطانية، وهذا يعني منح الحزب شرعية وبالتالي قلب قواعد اللعبة، إذ ان حوارا كهذا يعني أن الحكومة اللبنانية نفسها باتت شريكة مع «حزب إرهابي» وبذلك تتبنى، الى حد ما، مواقف الحزب المتطرفة وتخرق القرارات الدولية بما في ذلك تلك التي حددت شروط وقف اطلاق النار مع إسرائيل عند انتهاء حرب يوليو، وبالتالي يجب تحديد كيفية التعامل مع حكومة شرعية كحكومة لبنان تدير سياسة مزدوجة وتنقض القرار الدولي 1701 الذي سبق ووافق عليها الطرفان.