بيروت ـ عمر حبنجر
الحركة السياسية تبقى في إجازتها القسرية، رغم وفرة الملفات والخلافات، ويبقى معها الانتظار الثقيل للعثور على حطام الطائرة الإثيوبية الراقدة تحت مياه الشاطئ اللبناني، كما لكشف حقيقة ما جرى في اللحظة الأخيرة من وقوع الكارثة، في ضوء فيض المعلومات المتضاربة والشائعات المتناثرة والاستنتاجات حول الأسباب، والتي تتراوح بين الخلل الفني والعاصفة العاتية، مع ذهاب البعض بعيدا باتجاه احتمال العمل التخريبي، الذي لم يجد من يرجحه او يطرحه كفرضية من الجانب اللبناني المعني. وبالتأكيد، الحقيقة لاتزال كامنة في صندوق الطائرة الأسود، الذي قالت مصادر اعلامية امس انه تم انتشاله، الا ان فك شيفرته يحتاج الى نقله الى مقر الشركة الصانعة لتحليل بياناته بحضور عدد من المندوبين عن الدول المعنية ومع ان الحقيقة لا تعيد الضحايا، لكنها تخفف من آلام الأهل وشكوكهم وأحزانهم، وتسهم في عدم تكرار ما حصل، الذي لا مثيل له في تاريخ لبنان مع النقل الجوي.
وفي غمرة انشغال اللبنانيين بفاجعة الطائرة وانتظار ما سيقوله الصندوق الأسود، يعقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية اليوم الجمعة لمتابعة النظر في ملف الانتخابات البلدية، وقانونها المطروح للتعديل، بتوقيع وزير الداخلية زياد بارود. وقالت مصادر متابعة ان الحكومة ملزمة بإجراء هذه الانتخابات مهما كانت الظروف وضمن المهلة المحددة، وان اي تأجيل لهذه الانتخابات يجب ان يكون معللا ومقنعا، ولفترة محددة!
المصادر أعربت عن اعتقادها بأن الإشكالية التي يمكن ان تعرقل إجراء هذه الانتخابات تكمن في استطالة البحث في مجلس النواب، حول الإصلاحات المقترحة.
جريدة «السفير» قالت ان التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون أنجز وضع صيغة لتقسيم بيروت الى 3 دوائر بلدية، شبيهة بالتقسيم الذي حصل في الانتخابات النيابية، اضافة الى اقتراح إقامة اتحاد بلديات العاصمة، وهذا الاقتراح لن يبصر النور في ظل رفض قوى 14 آذار له.
مخارج من مأزق سن الاقتراع
في غضون ذلك، استؤنف التداول بأفكار جديدة، بحثا عن مخرج توافقي من مأزق تخفيض سن الاقتراع، وطرح في هذا المجال ان تبادر الحكومة الى سحب المشروع من مجلس النواب، على ان يلي ذلك العمل على وضع الآليات التي تتيح اقتراع المغتربين بموازاة انجاز اللجان النيابية مشروع قانون استعادة الجنسية، ثم تحال كل هذه المشاريع الى المجلس النيابي ضمن سلة واحدة. ويقول النائب انطوان زهرة (القوات اللبنانية) ان التشاور قائم بصدد هذه الصيغة، بينما تدور اتصالات بين قوى 8 آذار حول هذا المخرج، الذي من شأنه حماية الجميع من الإحراج.
لكن مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري نقلت لصحيفة اللواء إصراره على وضع مشروع خفض سن الاقتراع على جدول الجلسة التشريعية المقبلة لمجلس النواب إلا اذا قرر مجلس الوزراء سحبه من المجلس النيابي وإعادته الى الحكومة
وعودة الى الكارثة يبدو ان الصندوق الأسود بات في متناول اليد، بعدما تمكنت سفن الإنقاذ الأميركية والدولية من التقاط إشارته، وحددت المكان التقريبي له على بعد 10 كيلومترات من شاطئ خلدة جنوبي بيروت، وعلى عمق 1300 متر، الأمر الذي يتطلب وسائل غوص وتعويم طويلة الباع.
والخبر السار، بمقياس المأساة الحاصلة، هو وصول سفينة الإنقاذ الأميركية «أوشن الوت» الى المنطقة، وهذه السفينة مجهزة للعمل على عمق ألفي متر تحت سطح البحر، وقد أشاع وصولها جوا من الارتياح الى قرب كشف الحقيقة الحائرة حول سقوط الطائرة الإثيوبية.
أين هيكل الطائرة؟
بيد ان الغموض مازال يلف مصير هيكل الطائرة، وهناك استنتاجات عديدة، أكثرها تفاؤلا تلك التي تأمل ان يكون الصندوق الأسود مازال داخل هيكل الطائرة. وبذلك يغدو بوسع سفينة الغوص الأميركية سحب الهيكل والصندوق معا، بعد التزود بمعدات أكبر، يمكن ان توفرها سفينة بريطانية متخصصة وصلت من قبرص وباشرت العمل منذ التاسعة صباح امس. إشارة الى انه لم يعثر في الساعات الأخيرة على جثث إضافية، انما عثر على أشلاء وبعض الحطام المتناثر على سطح الماء او على أطراف الشاطئ. مصادر عسكرية لبنانية ذكرت ان خطة جديدة وضعت امس الأول في لقاء الأطراف المشتركة بعمليات الإنقاذ التي التقت في قاعدة جونية البحرية، حيث تم تقسيم منطقة العمليات الى 3 مربعات تبدأ من جنوب الدامور وتنتهي في منطقة رأس بيروت. وهذه الخطة أسهمت في تنظيم عمليات البحث بحرا وجوا. وهنا يقول وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، ان وجود الصندوق الأسود في موقع مستقل عن هيكل الطائرة يجعل إمكانية سحبه أسهل، اما اذا كان داخل الهيكل، فذلك يتطلب معدات اكبر وأضخم.
وشكل استقرار حال الطقس عنصرا مساعدا في تسريع العمليات الإنقاذية، خاصة ان ثمة وديانا ومغاور تحت الماء تبدو كامتداد لسلسلة جبال لبنان الغربية في عمق البحر، وليست مسطحات سهلة الرؤية والحركة، كما ظهر من صور للأعماق أبرزها وزير الأشغال والنقل. وكان الرئيس سعد الحريري تمنى العثور على هيكل الطائرة وبالتالي جثث الضحايا السبعين، قبل الصندوق الأسود، تبعا للأولوية الإنسانية والوطنية. وتقول مصادر رسمية انه تم اجراء المسح الجيولوجي للمياه وتصوير الأعماق، وان المرحلة الثانية بدأت امس، وهي تحديد الاشياء الغريبة في العمق على ان تبدأ المرحلة الاخيرة فور استكمال المعدات للنزول الى العمق واستكشاف الأجسام. وقال الوزير العريضي للوفد الاثيوبي الموجود في بيروت ان العمل لن يتوقف قبل العثور على كل ما يتصل بهذه الكارثة.
وقد غادر الوفد الاثيوبي الرسمي بيروت امس، تاركا بعض المسؤولين في الشركة الاثيوبية للمتابعة والاتصال.
ويقول مصدر أمني ردا على الاحتمالات المتداولة في اسباب سقوط الطائرة ان الكشف على الجثث التي عامت على سطح مياه البحر، اثبت انها لم تتعرض لحروق، كما قال الطبيب الشرعي علي المقداد الذي كشف عليها وحدد اسباب الوفاة بالارتطام في اجسام صلبة، ما ينفي احتمال تعرض الطائرة لعمل تفجيري. اما الجثث المنتشلة فكانت لركاب الدرجة الأولى وطاقم الطائرة ودرجة رجال الاعمال، ما يعني ان مقدمة الطائرة ارتطمت بالماء بقوة الهبوط الهائلة فتمزقت ومزقت معها هؤلاء الركاب، فيما بقي ركاب الدرجة الاقتصادية مسمرين بالأحزمة على مقاعدهم في النصف الاخير من هيكل الطائرة.
مكان الطائرة
ويقول نقيب الغطاسين وليد نعوشي ان عملية العثور على الجثث لا ترتبط بمكان غرق الطائرة، لأن الأمواج العالية حملتها الى مسافة بعيدة، مشيرا الى ان التجهيزات المتوافرة هي الاكثر دقة على المستوى العالمي.
وقال ان تحديد مكان الصندوق الاسود تم بواسطة مجسات حديثة مربوطة الى كمبيوتر متقدم، وان غواصة صغيرة مزودة بكاميرا واضواء، تبحث تحت الماء عن مكان هيكل الطائرة، وتوقع مصدر عسكري لبناني لاذاعة النور الناطقة بلسان حزب الله ظهور معطيات مهمة خلال ساعات.