بيروت: اذا لم يطرأ ما ليس في الحسبان، سيكون الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في دمشق مطلع الشهر المقبل، وعلى الأرجح في 7 أو 8 فبراير، وسيلتقيه الرئيس السوري بشار الأسد في «لقاء مصالحة ومصارحة» مهد له بشكل أساسي أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وساهم في صياغة ظروفه وشكلياته النائب طلال أرسلان، وهذه الزيارة التي توصف مثل زيارة الرئيس سعد الحريري بأنها مفصلية معلنة الانتقال من مرحلة الى أخرى في علاقة جنبلاط مع دمشق، تضع حدا نهائيا لموجة واسعة من التكهنات والتساؤلات التي أحاطت بظروفها وشروطها وموعدها. أكثر التساؤلات التي طرحت حول هذه الزيارة:
ما الأسباب التي تؤخر زيارة جنبلاط ولا تلبي رغبته التي أعلنها الصيف الماضي في زيارة دمشق بعد زيارة الحريري إليها؟
هل تضع دمشق شروطا لاستقبال جنبلاط؟ وهل تشترط عليه اعتذارا من سورية، رئيسا وشعبا، أم تتريث للتأكد من نهائية موقفه واكتمال استدارته السياسية؟
هل صحيح ان سورية لا تنسى ولا تسقط إساءات جنبلاط وأبرزها 3: الإساءة الى شخص الرئيس بشار الأسد عندما أطلق عليه أوصافا غير مألوفة ومبالغا بها، والإساءة الى ذكرى الرئيس حافظ الأسد، والإساءة الى سورية، نظاما ودولة، عندما صرح لـ «واشنطن بوست» خلال إحدى زياراته الى الولايات المتحدة «اذا كان بوش يعتبر ان لبنان هو من أبرز انجازاته، فإن الوقت قد حان اذا كي يحميه. الأميركيون أتوا الى العراق باسم حكم الأكثرية ويمكنهم فعل الأمر ذاته في سورية».
أم ان سورية تتجاوز اعتبارات وأمورا خاصة وتلتفت الى ما هو أهم، الى الموقف السياسي المتصل تحديدا بمسألتين وخطين أحمرين: العلاقة الاستراتيجية بين لبنان وسورية والتي تفرض خصوصا التنسيق في الأمن والسياسة الخارجية، ودعم المقاومة وحمايتها؟
هل تفضل دمشق ان تكون الزيارة قبل 14 فبراير لتوجيه ضربة سياسية جديدة الى قوى 14 آذار وإفراغ احتفالها من المضمون السياسي؟ أم تفضل ما بعد 14 فبراير للتأكد من استعدادات ونوايا جنبلاط والطريقة التي سيتصرف بها قولا وفعلا في سياق المراقبة السياسية التي أخضع لها منذ الإعلان عن تحوله وقراره السياسي الشهير بالخروج من 14 آذار في 2 أغسطس الماضي؟
هل تريد دمشق ان يصلها جنبلاط ضعيفا «عاريا» (بالمعنى السياسي للكلمة)، ولذلك تمعن في «إذلاله» سياسيا بتأخير متعمد للزيارة وإغراقها بشروط غير معلنة وموحى بها؟ أم من مصلحتها ألا يصلها ضعيفا مطأطئ الرأس وهي التي تحتاجه بحكم موقعه السياسي كزعيم لدروز لبنان قويا داخل طائفته على الأقل؟
في الواقع رصدت في الأيام الأخيرة أصوات ومواقف تدعو وتنصح همسا بالتعجيل في زيارة جنبلاط الى دمشق التي لم تعد تحتمل تأخيرا. والمفارقة ان مصدر هذه النصائح أوساط المعارضة وانطلاقا من الاعتبارات والحجج السياسية التالية:
1 ـ ظروف الزيارة نضجت وليس من داع أو سبب سياسي لتأخيرها أكثر بعدما فعل جنبلاط ما عليه وقدم أقصى ما يمكنه، وكان له الدور الأول في ضرب تحالف 14 آذار وإرساء توازن سياسي جديد في الحكومة لا يتفق مع توازن ما بعد الانتخابات وفي إتمام زيارة الحريري الى دمشق. وبالتالي فإن زيارة جنبلاط الى دمشق حصلت سياسيا قبل ان تحصل عمليا، والمسألة لم تعد إلا مسألة توقيت وتفاصيل.
2 ـ جنبلاط بات محاصرا بضغوط داخلية تأتيه من جهتي طائفته (مشايخ الدروز) وحلفائه السابقين في 14 آذار، بحيث باتت زيارته الى دمشق مصدر إضعاف وإحراج له وصار كل مرة يسال عنها يظهر توترا ملحوظا. وبالتالي صارت الزيارة في أهميتها كما في حصولها معرضة للتراجع والتآكل مع الوقت، وصار إخضاعها لمزيد من الشروط والتنازلات يمس شعور وكرامة الطائفة الدرزية وليس فقط جنبلاط.
3 ـ هناك من يرى ان تحول جنبلاط لا يعد نهائيا إلا اذا أكمله وأنهاه بزيارة دمشق، ومادامت الزيارة لم تحصل يعد حرا طليقا متفلتا من التزامات وارتباطات نهائية وقادرا على التحول من جديد في اتجاه معاكس اذا ما شعر ان الزيارة كلفتها أعلى بكثير من مردودها، أو اذا توافرت ظروف إقليمية ودولية جديدة تدعوه الى التريث. ويمكن في هذا المجال رصد إشارات أولية صدرت عن جنبلاط وتفيد بأنه بدأ يضيق ذرعا بالطريقة التي يعامل بها سياسيا. ومن هذه الإشارات الإبقاء على صلاته مع قوى 14 آذار ومع الرئيس سعد الحريري خصوصا، وإعطاء حرية الحركة لنواب كتلته النيابية المسيحيين خصوصا والإيحاء لهم بإمكانية البقاء في صفوف 14 آذار، وإعادة الحرارة الى خط اتصالاته وعلاقاته مع دروز إسرائيل الذين التقاهم في قبرص مؤخرا، ومشروع زيارة له الى الولايات المتحدة (بعد بريطانيا) يقول انها زيارة خاصة ولكنها ستكون أكثر من ذلك.