في غضون أيام قليلة بدت قوى المعارضة وكأنها فوجئت بتطورات سياسية غير محسوبة باغتتها وأثارت لديها تساؤلات وشكوكا وما يمكن تسميته «نقزة سياسية» هي الأولى منذ قيام الحكومة وزيارة رئيسها سعد الحريري الى دمشق. كانت المعارضة توقعت منذ تحول جنبلاط الشهير الذي عززه وصول الحريري الى دمشق ان يبدأ تحالف 14 آذار بالتفكك وان يبدأ الرئيس سعد الحريري بفك ارتباط تدريجي مع حلفائه، وان يحذو حذو جنبلاط الذي هجر الأمانة العامة وابتعد كثيرا عن حليفيه السابقين الجميل وجعجع. كما توقعت ان يطرأ تبعا للتحولات السياسية الحاصلة تغيير في مسار ذكرى 14 فبراير وطريقة احيائها هذه السنة على المستويين الشعبي والسياسي، مرجحة تقديم الطابع السياسي على «الشعبي» وتحويل المناسبة، التي عبرت عن رغبة المشاركة فيها، الى مناسبة وطنية جامعة لا تكون حكرا على فئة ولا تكون فيها أجواء وروحية وشعارات المرحلة السابقة. كما توقعت المعارضة في قراءتها السياسية الاستباقية ان يغيب الرئيس سعد الحريري عن لقاء البريستول وان يعهد بمهمة ترؤس هذا اللقاء، الذي يعقد على أسس اصطفاف ومناخ تجاوزته الأحداث، الى الرئيس فؤاد السنيورة. ولكن ما حصل:
- ان الحريري أكد تمسكه بحلفائه وافتخاره بهم، وأوحى باستمرار الحاجة الوطنية الى تحالف 14 آذار كما حاجته السياسية هو الى هذه الورقة السياسية الحيوية.
- ان الحريري بادر الى حضور ورعاية وقيادة لقاء البريستول في اشارة سياسية واضحة الى رغبته في انعاش 14 آذار ومده بكل أسباب الاستمرار والبقاء، وبما يتجاوز هدف المناسبة المعلن للقاء وهو التحضير لذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
- ان الحريري مدفوعا من ضغوط داخل تياره ومن حلفائه قرر مهرجانا شعبيا حاشدا ومفتوحا لا يختلف في شيء عن مهرجانات السنوات الأربع الماضية، ما خلا المضمون السياسي الذي يفترض ان يخلو من الحدة ويتكيف مع المتغيرات وضرورات المرحلة مع توزيع للكلمات والأدوار.
- ان فريق 14 آذار لم يطلق ما يكفي من اشارات مشجعة لحضور أركان المعارضة مهرجان 14 فبراير، ولم يوفر ما طلبه هؤلاء من مناخات جديدة وملائمة للمشاركة. لا بل ظهر تحفظ وحذر ازاء رغبة المشاركة المفخخة سياسيا. وفحوى رد فعل 14 آذار ان مشاركة سياسية أو شعبية من فريق 8 آذار يجب ان تحصل من دون شروط مسبقة تتعلق بالمهرجان شكلا ومضمونا، وان هذه المشاركة يكون مرحبا بها اذا تمت تحت سقف 14 آذار وقيادتها.
وهذا الموقف الذي أدلى به د.سمير جعجع بعد لقائه الحريري في السرايا الحكومي وبعد مشاركته الرمزية المعبرة في اجتماع الأمانة العامة لـ 14 آذار، يتطابق مع ما أدلى به قياديان شماليان في تيار المستقبل، النائب أحمد فتفت والنائب السابق مصطفى علوش، ومفاده ان بعد 14 شباط هو وطني بامتياز، ولكن على الخلفية التي بنتها الحركة الاستقلالية، ولا يمكن تفريغ المناسبة من المضمون السياسي ومن معناها الحقيقي والفعلي حتى لا تصبح مجرد مناسبة اجتماعية أو تقليدا فولكلوريا ليس إلا. ازاء هذا التصادم والتعارض بين ما توقعته المعارضة أو ما أرادته وأوحت به، وبين ما حصل على أرض الواقع من توجهات معاكسة، كيف سيكون رد فعل المعارضة:
- هل تبحث عن أسباب كامنة وراء ما تعتبره تغييرا مفاجئا في السلوك السياسي للرئيس سعد الحريري، لا تتماشى مع زيارته الى دمشق ونتائجها. وعملية البحث تركز على الخارج أكثر من الداخل وتسأل مثلا عن «سر» زيارة جون ماكين الى بيروت وما حمله الموفد الخاص جورج ميتشيل من معطيات أقليمية جديدة، وعن لقاءات جنبلاط الأميركية في الفترة الأخيرة من لقائه مع ماكين في بيروت الى لقائه مع فيلتمان في لندن.
- هل تعترف بوقوعها في خطأ التقدير السياسي لخيارات الحريري وكيف سيتصرف من موقعه الجديد كرئيس للحكومة وبعد زيارته الى دمشق.
ربما لم تقدر المعارضة جيدا ما تمثله 14 آذار من أهمية في حسابات الحريري مادامت 8 آذار لاتزال قائمة وتبالغ في التصرف من موقع «المنتصر»، وما تمثله ذكرى 14 فبراير من مناسبة عزيزة جدا على قلب الحريري ويضع في تصرفها كل الامكانات لانجاحها والحفاظ على مستواها وحجمها ومعانيها. وربما بالغت المعارضة في تصوير سلبي لموقف الحريري الذي قد تكون كل أهداف حركته محصورة في مناسبة 14 فبراير وساعية الى احتواء 14 آذار وتكييفها مع متغيرات المرحلة ليظل في موقع القادر على ان يقود لا ان ينقاد، وليظل الوضع تحت سيطرته، وضع الشارع السني كما الوضع السياسي لـ 14 آذار...
فهل تخطئ المعارضة أيضا في قراءة رد الفعل السوري على ما جرى وتستنتج ان الأمور بين الحريري والأسد لا تسير على ما يرام، وان المكتوب يقرأ من عنوانه.