العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط لم تعد كما كانت، ورغم انها مازالت مصنفة «علاقة تحالفية وتاريخية»، الا انها تتعرض لتآكل تدريجي في عناصر الانسجام والتناغم والحرارة التي ميزتها على الدوام المسافة السياسية بين الطرفين الى اتساع والعلاقة بينهما الى مزيد من البرودة والجفاء. المشكلة بين الحريري وجنبلاط كانت بدأت بعد الانتخابات اثر القرار الشهير لجنبلاط بالخروج من 14 آذار، ولم يكن منسقا مع الحريري وكان سيئ التوقيت في عز احتدام المعركة الحكومية.
ورغم محاولات جنبلاط حصر مضاعفات تحوله السياسي وتحييد علاقته مع الحريري واقامة فصل «ملتبس» بين خروجه من 14 آذار والبقاء في فريق الأكثرية، فإن العلاقة مع الحريري خرجت عن «سيطرتهما» وانكسر فيها عامل الثقة، ذلك ان الواقع يقول ان الحريري بسبب جنبلاط فقد ورقة الأكثرية النيابية ولم يعد زعيما للأكثرية الا على المستوى النظري، وان معادلة الحكومة أصبحت عمليا (12 ـ 10 ـ 5 ـ 3) وليس (15 ـ 10 ـ 5).
وفي حين كان من المتوقع ان يطرأ تحسن ملموس على أجواء العلاقة بين الرجلين بعد زيارة الحريري الى دمشق التي جعلتهما في تموضع سياسي واحد، لم يحصل مثل هذا التحسن وانما نشأت توترات واشكالات متلاحقة. كثيرة هي المؤشرات والوقائع التي تراكمت في الفترة الأخيرة وتدل الى وجود «مشكلة ما» بين الحريري وجنبلاط تتراوح بين أزمة ثقة وسوء تفاهم وتواصل وتراجع في آليات التنسيق والتعاون: فمن الصدام المبكر داخل مجلس الوزراء حول مجلس الانماء والاعمار عبر الوزير غازي العريضي، الى اشكال جل البحر ومرفأ الصيادين الذي يغطيه وزير النقل ويرفضه نواب بيروت، وما بينهما من تجاذبات بين الحزب الاشتراكي وتيار المستقبل في انتخابات طلابية ونقابية، تلاحقت التباينات واتسع نطاقها وتنوعت أشكالها الى ان بلغت الذروة عند محطة 14 فبراير.
فقد قاطع جنبلاط مع نوابه لقاء البريستول الذي حدد هدفه في اعطاء اشارة البدء لإحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو الآن مازال يدرس طريقة وحجم مشاركته في الذكرى. الحريري الذي خالف جنبلاط في الموقف من مسيحيي 14 آذار مازال حريصا على علاقته مع جنبلاط ويبحث عن طريقة وصيغة لاستمرارها. ومثلما هو حريص على العلاقة القديمة مع جنبلاط، فإن الحريري حريص بدرجة أقوى على علاقته الجديدة مع الرئيس السوري بشار الاسد وألا تصيبها أي انتكاسة وهي بعد في مرحلة اعادة البناء واختبار النوايا والاستعدادات.
ومثلما تصدى الحريري لمحاولات ابعاد حلفائه المسيحيين عنه، يتصدى أيضا لمحاولات الإيقاع بينه وبين السوريين وزرع الشكوك والألغام في أجواء علاقته «الطرية العود» مع الرئيس الاسد. ومثل هذه المحاولات كانت اشتدت مع انعقاد لقاء البريستول لقوى 14 فبراير الذي رعاه الحريري وحضره شخصيا، واتجهت الى يوم 14 فبراير حيث يوضع كل شيء في دائرة المتابعة والتدقيق من الطريقة التي سيتم بها الترويج الدعائي والاعلامي للمناسبة هذا العام، الى الشعارات التي سترفع والكلمات التي ستلقى والاتجاه الذي ستسلكه عملية التوظيف السياسي للمناسبة. بدا الرئيس الحريري بعد زيارته الى دمشق حريصا على كشف «التواصل المباشر» مع الرئيس الاسد وطبيعة العلاقة الجديدة التي لا وسائط سياسية فيها ولا أقنية أمنية.
وعندما نشرت صحيفة نيويوركر (سيمون هيرش) كلاما للرئيس الاسد حول النظام اللبناني، لم ينخرط الحريري وتياره في حملة انتقادات فورية صدرت عن حلفائه في 14 آذار، ولكنه سارع الى تلقف التوضيحات التي صدرت عن مصادر سورية رفيعة المستوى لـ «الحياة» واعتبرها كافية، وان الصحافي الاميركي اجتهد وأساء تفسير كلام الاسد. وتأكيدا على العلاقة الجيدة، يلمح الحريري الى زيارة ثانية له الى دمشق.