أطلقت دمشق أول إشارة «علنية رسمية» تعلن فتح أبوابها أمام وليد جنبلاط، وان طريقه إليها أصبحت سالكة وآمنة، ففي خطوة هي الأولى من نوعها منذ 5 سنوات، واعتبرت مؤشرا ايجابيا من القيادة السورية وبمثابة رفع الحظر الشامل الذي كان مطبقا، نقلت وسائل الاعلام الرسمية في دمشق مقتطفات من الحوار الذي أجرته صحيفة «السفير» مع جنبلاط، وأبرزت المقطع الذي يتضمن اعتذارا ضمنيا، وقال فيه انه لم يطالب أبدا بغزو سورية من قبل الجيش الاميركي في عام 2006، وانه يتمنى ان يمحو كلامه التوضيحي اليوم تلك الإساءة تجاه الشعب السوري والقيادة السورية، كما أبرزت وسائل الإعلام السورية قول جنبلاط: «نحن مع القيادة السورية في مواجهة العدو الاسرائيلي، وان أمن سورية من أمن لبنان وأمن لبنان من أمن سورية، وانه لا يرى في الأفق إلا التضامن مع المقاومة في لبنان ومع سورية لأن الجنون الاسرائيلي قد يعيد المغامرة في أي لحظة ويقوم بعدوان عسكري أكبر على لبنان».وثمة عبارة ثانية وردت في حديث جنبلاط الى «السفير» واستحوذت على اهتمام المسؤولين والمراقبين في دمشق وتتعلق بإشارته الى «ضرورة ترجمة زيارة سعد الحريري الى سورية بعلاقات أمنية تحفظ الأمن اللبناني من أي اختراق اسرائيلي أو غير اسرائيلي موجه ضد سورية، وبعلاقات سياسية تعيد من خلالها التذكير بالعدو الاسرائيلي وبالعمق العربي». وتجدر الإشارة هنا الى ان إشارة جنبلاط في شأن ترجمة زيارة سعد الحريري تزامنت مع إشارة الحريري الى زيارة ثانية له الى دمشق توصف بأنها «زيارة عمل» على رأس وفد وزاري للبحث في مصير الاتفاقات الموقعة ومراجعتها. وهكذا، فإن المسلسل الجنبلاطي الذي بدأت أولى حلقاته «الفعلية» في البوريفاج يوم 2 أغسطس مع إعلان جنبلاط رسميا خروجه المدوي من 14 آذار، والذي شهدنا آخر حلقاته في الحديث «التوضيحي والاعتذاري» الى «السفير»، هذا المسلسل الذي يمكن عنونته بـ «عودة الحليف الضال» وصل الآن الى «النهاية السعيدة»، والمسألة لم تعد إلا مسألة توقيت يقرره الرئيس بشار الأسد شخصيا ومسألة ترتيبات ولمسات أخيرة ربما تصنعها: زيارة الوزير غازي العريضي الى دمشق، لقاء جنبلاط مع السيد حسن نصرالله الذي عهد به حصرا الاعداد لهذه الزيارة التي سيعطى فيها النائب طلال ارسلان حيزا خاصا في الشكل والاخراج. وبات من الأكيد ان الرئيس الاسد سيستقبل جنبلاط، وان الزيارة ستخلو من مظاهر «الحفاوة والتكريم» .أبواب دمشق تفتح أمام جنبلاط بعدما أكمل، بثبات ووضوح، الطريق الى العاصمة السورية وفعل ما عليه في 3 مجالات أساسية حددتها دمشق عبر أقنية خاصة وخلفية:
1 ـ الاعتذار من سورية قيادة وشعبا: وهذا ما حصل على مراحل ولكن أخذ شكله الواضح والنهائي في حديث «السفير» توضيحا لمسألة عالقة تتعلق بعبارة قالها جنبلاط لـ «واشنطن بوست» عام 2006 واعتبرها الأسد مهينة للشعب السوري وطلب إيضاحا في شأنها (في حين ان الأسد تجاوز كلام جنبلاط عنه والأوصاف التي أطلقها في خطاب له في ساحة الشهداء). ففي مقابلة مع الصحيفة الاميركية آنذاك قال جنبلاط: «اذا كان بوش يعتبر ان لبنان هو من أبرز انجازاته، فإن الوقت قد حان اذن كي يحميه». وعندما سأله المراسل دافيد اينياتيوس ماذا يطلب من الولايات المتحدة، أجابه: «لقد أتيتم (الأميركيون) الى العراق باسم حكم الأكثرية، يمكنكم فعل الأمر ذاته في سورية».
2 ـ فك الارتباط مع تحالف 14 آذار: وهذا ما فعله جنبلاط بطرق وأشكال مختلفة عندما قطع نهائيا مع القيادات المسيحية في 14 آذار مكتفيا بعلاقته مع الحريري وفتح علاقات وخطوطا مع خصوم 14 آذار (خصوصا عون). وهذا ما أكد عليه أخيرا عندما قاطع مع نوابه ووزرائه لقاء البريستول لقوى 14 آذار، وعندما قرر مشاركة «رمزية» في ذكرى 14 فبراير بوضع زهور على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري من دون مشاركة سياسية تحت سقف 14 آذار.
3 ـ التأكيد على «نهائية وصدقية» انعطافته أو استدارته السياسية، وحيث كان على جنبلاط ان يبذل جهدا مركزا نظرا لحجم أزمة الثقة مع دمشق. وأما المقياس الذي اعتمدته دمشق بشكل أساسي فهو موقف جنبلاط من حزب الله وتطور علاقته معه. حزب الله له منزلة ومكانة خاصة في دمشق التي تضع فيه كل ثقتها. والسيد حسن نصرالله هو الوحيد الذي نال موافقة سورية وتكليفها في مهمة إيصال جنبلاط الى دمشق وتسهيل أموره.