بعد زهاء أسبوعين تنتهي المئة يوم الأولى من عمر الحكومة التي نالت ثقة البرلمان في 10 ديسمبر العام الماضي، وهي المهلة التقليدية التي تعطى للحكام عرفا لاحتساب ما أنجزوه، أو لانتهاء فترة السماح لانطلاقة عملهم والبدء في تحقيق وعودهم.
وإذا كان لدى الحكومة بعض الأسباب التخفيفية لتأخر حسمها بعض الملفات، لاسيما انهماك الدولة برمتها في معالجة كارثة الطائرة الاثيوبية المنكوبة التي حلت مأساة على لبنان، فإن بعض المراقبين يرى أن آلية العمل في حكومة ائتلاف وطني كالتي يرأسها الحريري حاليا وغلبة التوافقية على الآلية الديموقراطية التقليدية في اتخاذ القرارات لابد من أن تبطئ عملها، كما هي الحال في الدول التي تغلب الصيغة التوافقية على آلية التصويت الديموقراطي في مؤسساتها، ما يحتاج الى وقت لصوغ الإجماع أو شبه الإجماع على القضايا التي تحتاج الى أوسع تأييد.
ومع ان الحكومة لم تدرج في بيانها طموحات كبيرة تتعدى الامكانات أو القدرات المطلوبة، فإن تساؤلات تثار في مجالين على الأقل: أحدهما اذا كانت المصالحات ستساهم في زيادة نسبة التوافق في مجلس الوزراء بما يسمح بإيجاد حلول لمشاكل عالقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والانمائية، علما ان المصالحة والتوافق قائمان من حيث المبدأ في حكومة الوحدة الوطنية، ولم تنجز الحكومة شيئا حتى الآن تحت وطأة الاعتراض والتعطيل اللذين يكملان مسار ما كان يحصل في الحكومة السابقة، وان بأسلوب أكثر تلطيفا.
أما المجال الآخر الذي تثار تساؤلات في شأنه من حيث عدم انتقال الوضع فعليا وعملانيا الى ما يجب ان يكون عليه لمواكبة الاستقرار والهدوء القائمين، فهو مواقف مسؤولين من الاحزاب والتيارات المشاركة في الحكومة تحافظ على الوتيرة نفسها من التشنج التي كانت سائدة قبل تأليف الحكومة الحالية، وحتى من الاستفزاز الى حد كبير، عبر تجاوز ما يمكن ان يعالج على طاولة مجلس الوزراء او على طاولة الحوار حتى يكون مادة لفرض أمر واقع ليس أكثر ولا اقل.
وهذا ينذر، بالنسبة الى البعض، ببقاء الوضع في لبنان صعبا على رغم جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري وسعيهما الى التوفيق بين الجميع، كما ينذر ببقاء الوضع على قدر كبير من الهشاشة.
وفي الاطار ذاته، ترى أوساط مراقبة ان حكومة «الشراكة» الوطنية بدت عاجزة في تجربتها حتى الآن، عن القيام بالدور الذي غالبا ما تم التبشير به كـ «وعاء» انقاذي يضم الجميع، اذ أظهرت الملفات المطروحة على الطاولة منذ قيامها انها مرشحة لأن تتحول الى أداة تعطيلية حتى لاستحقاقات دستورية أساسية كالانتخابات البلدية. والانطباع السائد ان الانجاز سيغيب عن «حكومة التوافق الوطني» الراهنة التي تمت بولادة قيصرية بعد مخاض خمسة اشهر. فهي ستواجه صعوبات فائقة في انجاز التشكيلات والتعيينات في وزارة الخارجية. وستواجه ايضا مشكلات في غالبية التعيينات التي ينتظرها اللبنانيون في اكثر من ادارة عامة ومؤسسة عامة ومرفق عام. وربما لن تتمكن ايضا من اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية. ومن غير المستبعد ان يبدأ التفكير في التغيير الحكومي. واذا وجد ان دون ذلك صعوبات اهمها تهديد الهدنة القائمة التي يتمسك بها الجميع لاسباب كثيرة فإن البحث في تعديل حكومي قد يرد عند البعض. ذلك ان هناك عدم رضا داخل كل من فريق 8 و14 آذار عن عدد من وزرائهما أو عن أدائهم. والثابت حتى الآن ان الحيوية السياسية التي تعيشها البلاد تعبر عن نفسها خارج الحكومة وفي اطار الحراك الذي يميز طرفي الصراع، وهو ما تجلى في مضي كل طرف في ترتيب أوراقه وساحته وتحالفاته، مما جعلنا اخيرا امام مشهدين:
ـ الاختبار الشعبي ـ السياسي لحركة 14 آذار في «14 فبرار» تحت سقف من الشعارات المدوزنة تجاه الداخل والخارج، تلاه زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للفاتيكان.
ـ خطاب «الردع» للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، والكلام «اللبناني» للرئيس الايراني احمدي نجاد، ثم زيارة العماد ميشال عون الى المختارة.