ضاق الخناق بشكل غير مسبوق على الزعيم الليبي معمر القذافي بعد ان اصدر الانتربول تنبيها دوليا بحقه و15 من أعضاء نظامه، ويبدو أنه لم يعد لديه من أمل سوى الرضوخ للمعارضين أو القتال حتى الموت كما تعهد سابقا بعد تضاؤل فرص خروجه الآمن اثر القرار الدولي الأخير.
وعلى الأرض كذلك وصل البلل إلى ذقنه حيث أفاد شهود عيان بأن مظاهرتين واحدة معارضة للعقيد معمر القذافي وأخرى مؤيدة له خرجتا عقب صلاة الجمعة أمس من أمام مسجد جمال عبد الناصر في ميدان الجزائر وسط العاصمة الليبية (طرابلس)، وتخللهما إطلاق نار واستخدام الغاز المسيل للدموع.
وذكر الشهود أن الوضع كان مضطربا جدا وأن اشتباكا بالأيدي وقع بين المتظاهرين، مشيرا إلى وجود مكثف لقوات الأمن التابعة للقذافي، وأوضح الشهود أن شعارات وهتافات المؤيدين هي «الشعب يريد معمر العقيد» وأن شعارات المعارضين هي «الشعب يريد إسقاط العقيد».
دبابات وقوات أمن
وذكر مراسل وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في طرابلس أن منطقة تاجوراء وسوق الجمعة مطوقة بالدبابات وقوات امن ولجان ثورية تابعة للقذافي، وفي ميدان الساحة الخضرا هناك تواجد لأنصار القذافي وتواجد مكثف لرجال الأمن والجيش والساحة مطوقة بالكامل.
وعقب اندلاع الاشتباكات، منعت السلطات وسائل الإعلام الأجنبية الموجودة في طرابلس من مغادرة الفندق الرئيسي الذي يقيمون فيه، كما قامت ألوية الأمن والدبابات بتطويق منطقة سوق الجمعة حيث منعوا أي أحد من الدخول أو الخروج.
وتأتي احتجاجات طرابلس في الوقت الذي تعرض فيه المتمردون في المدن الشرقية إلى المزيد من الهجمات من جانب قوات القذافي، وقال شاهد عيان لوكالة الأنباء الألمانية إن غارات جوية استهدفت المتمردين في وقت مبكر من أمس في محيط مدينة البريقة.
كما سمع دوي قصف عنيف وأصوات بنادق رشاشة قرب راس لانوف الذي يسيطر عليه الموالون للنظام الليبي بينما سارت شاحنات مليئة بالمسلحين المعارضين للنظام في ذلك الاتجاه، حسبما أفاد مراسل «فرانس برس».
وسمع دوي قصف وإطلاق نيران رشاشات من موقع في الصحراء على بعد عشرة كيلومترات شرق راس لانوف.
وسارت شاحنات تحمل متطوعين مسلحين على الطريق السريع باتجاه راس لانوف بعد ان قال عشرات المتمردين في وقت سابق انهم سيهاجمون الموالين للزعيم الليبي معمر القذافي، والى جانب استخدام القوة لاستعادة السيطرة على البلاد، تردد أن القذافي يحاول رشوة الليبيين من أجل تأييده.
عرض القذافي
وذكرت صحيفة «ليبيا» أمس المعارضة على موقعها على الإنترنت أن أهالي مدينة نالوت غربي ليبيا رفضوا عرضا من نظام القذافي بقيمة 250 ألف دينار ليبي (حوالي 205 آلاف دولار) لكل أسرة مقابل مساندته.
فيما قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الهجمات استهدفت أيضا سيارات الإسعاف التابعة لها في مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كم شرق طرابلس حيث جرح متطوعان بينما احترقت إحدى سيارات الإسعاف بالكامل.
وقد اعلن التلفزيون الليبي أمس ان القوات الموالية للعقيد استعادت السيطرة على مدينة الزاوية التي تبعد نحو ستين كيلومترا عن العاصمة طرابلس غربا.
في وقت تحدث شهود عيان اتصلوا بالإذاعات العربية عن حدوث مجازر وأعمال عنف فظيعة بحق المعارضين.
قبائل «الطوارق»
من جهة أخرى، تدفق مئات من أفراد قبائل «الطوارق» المالية إلى ليبيا للانضمام إلى قوات العقيد معمر القذافي، وقال مسؤول حكومي مالي ـ في تصريح خاص لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أمس ـ إن «الطوارق» يتقاضون 10 آلاف دولار من أجل الانضمام إلى قوات القذافي، بالإضافة إلى ألف دولار في اليوم مقابل القتال مع القوات الموالية للنظام الليبي.
وأضاف المسؤول إن الحكومة المالية لا تملك وسائل لمنعهم، وذلك لأنها لا تسيطر على حدود الصحراء مع ليبيا، في المقابل، قال مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الليبي الذي شكله المناهضون للزعيم لأنصاره انه لا مجال أمام المشاركين في الانتقاضة المندلعة منذ أسبوعين وهزت البلاد سوى النصر أو الموت.
وقال عبدالجليل وهو وزير عدل سابق ان الليبيين يقاتلون ولا يستسلمون ويحققون النصر او يموتون وقال انهم لن يتوقفوا إلى ان يحرروا البلاد كلها، مشيرا إلى ان وقت النفاق قد ولى.
وردت عليه الحشود قائلة ان ليبيا حرة وان القذافي يجب ان يرحل وان المتمردين سينقلون انتفاضتهم إلى معقل القذافي في العاصمة طرابلس، وأشار عبدالجليل إلى إمكانية وجود أفراد من «النظام السابق» مندسين وسط المتظاهرين، قائلا ان العدو لايزال يمكنه وضع أشخاص بين المتظاهرين وطالب الجماهير بعدم الاستماع إليهم كي لا «يفسدوا ثورتهم».
وأضاف أن نظام القذافي انتهى، ودعا المحتجين إلى العمل على ان تكون ليبيا آمنة وإلى عدم تدمير المباني لأنها ملكهم الآن، وألقى عبدالجليل خطابا قصيرا في ميدان بوسط مدينة البيضا بشرق البلاد الذي يسيطر عليه المناهضون للقذافي بجوار مقار محترقة لأجهزة أمن الدولة.
مهاجمة طرابلس
على صعيد متصل، قال متحدث باسم المعارضة المسلحة لقناة «الجزيرة» الفضائية أمس إن المعارضين الذين يقاتلون القذافي سيهاجمون العاصمة طرابلس بمجرد أن تفرض القوى الدولية منطقة حظر طيران فوق البلاد.
وقال عبدالله المهدي الذي قالت «الجزيرة» إنه المتحدث باسم المجلس الوطني الليبي إن قوى المعارضة صدت هجوما لقوات القذافي استهدف السيطرة على مطار بلدة البريقة في شرق البلاد الذي يسيطر عليه.
من جانبه، قال إمام صلاة الجمعة في بنغازي أمام حشد كبير من المصلين أدى الصلاة تحت المطر، أي تدخل أجنبي في ليبيا مرفوض، داعيا الليبيين من الشرق إلى الغرب إلى رص الصفوف من اجل إسقاط نظام القذافي.
وقال الإمام سالم جابر من على منصة أقيمت وسط الساحة المجاورة لمركز «الثوار» قرب ساحل البحر في بنغازي «لا نريد تدخلا عسكريا ولا تدخلا أجنبيا، لدينا ما يكفي من الرجال لحسم المعركة».
لا للتفاوض
وأضاف «لا نريد التفاوض مع احد» في إشارة إلى محاولات الوساطة التي تحدث عنها الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، مؤكدا «سيحرر أبناؤنا أرضنا كما حررها أجدادنا».
وأقام الإمام صلاة الجمعة وسط نحو خمسة آلاف شخص في الساحة التي أطلق عليها ثوار بنغازي اسم «ساحة التحرير»، نسبة إلى ميدان التحرير في القاهرة، والتي تقع بجانب مقر «مجمع المحاكم والنيابات لشمال بنغازي» سابقا، الذي تحول إلى مقر «اللجنة الوطنية» الانتقالية التي يشرف عليها وزير العدل الليبي سابقا مصطفى محمد عبد الجليل.
الولايات المتحدة تدرس كل الخيارات في الأزمة
أزمة اتصالات: واشنطن لا ترد على فاكسات القذافي وكوسا لا يرد على بيرنز
واشنطن ـ أحمد عبدالله والوكالات
أصدر الرئيس باراك أوباما أمرا في الثاني من الشهر الجاري بعدم الرد على رسائل الفاكس التي يرسلها العقيد معمر القذافي الى واشنطن، وجاء القرار بعد ان توقف وزير الخارجية الليبية موسى كوسا عن الرد على أي مكالمات هاتفية قادمة من وزارة الخارجية الأميركية أو من مسؤولي مجلس الأمن القومي. وكان «انقطاع خطوط الاتصال» هذا قد أعقب فترة من الاتصالات المكثفة بين واشنطن وطرابلس في الأيام الأولى للمظاهرات المعارضة التي اجتاحت ليبيا، وأدى ذلك الى رفض الإدارة قطع العلاقات الديبلوماسية مع العقيد القذافي حتى مع صدور قرار فرض عقوبات على النظام الليبي في 25 من الشهر الماضي.
وكان كل من وكيل وزارة الخارجية ويليام بيرنز ومساعد الوزيرة لشؤون الشرق الأوسط على اتصال دائم مع كوسا طوال أسبوعين من الاضطرابات، بيد ان كوسا توقف عن رفع سماعة الهاتف بداية من الثاني من مارس.
وخلال المكالمات التي سبقت ذلك طلب كوسا من ادارة الرئيس أوباما التوقف عن التعامل مع السفير الليبي في واشنطن علي عجيلي بعد ان أعلن عجيلي عن انشقاقه على نظام القذافي، وفي الأول من الشهر الجاري قال الناطق بلسان الخارجية الأميركية فيليب كراولي ان الوزارة ترى ان عجيلي لم يعد يمثل ليبيا في واشنطن مما أخذ على انه امتثال لطلب القذافي. إلا ان عدم رد كوسا على الهاتف أدى الى مراجعة للموقف الأميركي وإعادة للنظر في رسالة الفاكس التي أرسلها القذافي الى البيت الأبيض طالبا تجنب التعامل مع السفير. وكان القذافي قد أرسل رسالة مشابهة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلب فيها عدم التعامل مع الوفد الذي يمثل ليبيا في المنظمة الدولية باعتباره «لم يعد يمثل الجماهيرية». وانتهت الخارجية الى إعادة الاتصال بالسفير عجيلي، وقال كراولي اول من امس «لقد تلقينا رسالة الفاكس التي بعث بها العقيد القذافي، ولكن كان ينبغي ان يتبع هذه الرسالة مذكرة ديبلوماسية رسمية تطلب منا بصورة واضحة عدم التعامل مع السفير عجيلي، ولأننا لم نتلق هذه المذكرة فإننا لانزال نعتبر عجيلي سفيرا لبلاده هنا». أما في الأمم المتحدة فقد قال فرحان حق الناطق بلسان مكتب الأمين العام «لقد تسلمنا رسالة الفاكس التي بعثت بها طرابلس وطلبت نزع الصفة التمثيلية عن أعضاء وفدها في الأمم المتحدة، ونحن ندرس هذا الأمر الآن». وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما أعلن ان الولايات المتحدة تدرس «كل الخيارات» بما فيها الخيار العسكري في الأزمة الليبية وجدد دعوته لرحيل الزعيم الليبي معمر القذافي. وأكد اوباما الذي كان يتحدث خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المكسيكي فيليبي كالديرون انه يريد ان تكون لديه «مجموعة من الخيارات» للتعامل مع الوضع في ليبيا حيث يواجه الزعيم الليبي حركة معارضة لا سابق لها منذ اكثر من 40 عاما له في السلطة. وقال اوباما «ان الولايات المتحدة تدرس «خيارات عدة» متعلقة بطريقة التعامل مع الوضع في ليبيا، واضافة الى الاجراءات غير العسكرية التي اتخذناها، أريد ان اكون متأكدا ان خيارات عدة ستكون متاحة أمامي». وتابع «طلبت من وزارة الدفاع ومن وزارة الخارجية ومن جميع الذين لهم علاقة بالشؤون الدولية ان يدرسوا سلسلة كبيرة من الخيارات». وردا على سؤال حول ما اذا كانت هذه الخيارات تتضمن فرض حظر جوي في الأجواء الليبية قال اوباما «انه واحد من الخيارات التي سننظر فيها».
واضاف «لا أريد ان نكون مقيدين في تحركنا، أريد ان نتخذ قراراتنا على أساس ما هو افضل لليبيين وبالتشاور مع المجموعة الدولية».