لم يعد ظهور الزعيم الليبي معمر القذافي موضع اهتمام اعلامي دولي كما كان في بداية ثورة 17 فبراير بعد ان اصبح روتينا يوميا.
وفيما يبدو أن العقيد الليبي استنفد خطاباته واتهاماته، انصرف الاهتمام الاعلامي أمس الى المواجهات الشرسة بين قواته والثوار في اكثر من مدينة ولاسيما في رأس لانوف.
فقد اعطى القذافي مقابلتين لوسائل اعلام اجنبية وألقى كلمة في مدينة زنتان الليلة قبل الماضية، مكررا اتهام الغرب بأنه يريد السيطرة على النفط في ليبيا ولوح مجددا بخطر القاعدة، غداة تكثيف قواته الحملة العسكرية لسحق الثورة. ومحذرا من فوضى قد تطول آثارها اسرائيل.
ميدانيا، تركزت المواجهات في رأس لانوف النفطية التي شهدت قصفا جويا مكثفا أمس، بينما تحدث الثوار عن تقدمهم باتجاه جدابيا وسيطرتهم على وسط مدينة زنتان غرب طرابلس، لكن المدينة محاصرة من قبل قوات القذافي، كما ذكر شاهد فرنسي.
وفي الوقت نفسه، شنت القوات الموالية للقذافي هجوما على الزاوية أقرب معقل للثوار الى العاصمة، كما قال المسؤول الليبي السابق مراد هميمة الذي انشق عن القذافي.
وأكد في اتصال هاتفي أجرته وكالة فرانس برس في القاهرة ان «القذافي يريد (السيطرة على) الزاوية بأي ثمن وطالب الأسرة الدولية بالتحرك».
وقال موقع للمعارضة ان «هجوما واسعا يستهدف الزاوية»، موضحا ان «المدنيين يتعرضون لهجمات مباشرة». الا ان الحكومة نفت قصف الزاوية.
وقد أكد مسؤول بمصفاة الزاوية أن معارك ضارية أدت لإغلاق المصفاة وهي واحدة من كبريات المصافي الليبية وتقع على اطراف مدينة الزاوية على بعد 50 كيلومترا غربي طرابلس.
وقال المسؤول لرويترز «تم اطلاق الأسلحة الثقيلة في منطقة قريبة ولا يمكننا تشغيل المصفاة في هذه الظروف».
ومصفاة الزاوية هي اكبر منتج لبنزين السيارات في ليبيا وتبلغ طاقتها الانتاجية الاجمالية 120 الف برميل يوميا. وكانت المصفاة تعمل بنسبة 70% من طاقتها الانتاجية على مدى الأسبوعين المنصرمين.
كما تعرضت مواقع المعارضة المسلحة الليبية للقصف قرب ميناء السدر النفطي في شرق البلاد من جانب القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي وردت بإطلاق زخة من المقذوفات الصاروخية.
وقال محمد عباس مراسل رويترز في الجبهة ان القصف كان الى الشرق من السدر حيث يتمركز المعارضون المسلحون وذكر انهم يردون باطلاق صواريخ.
وقال المقاتلون إن قوات القذافي أصابت صهاريج تخزين في ميناء السدر النفطي خلال قصف عنيف لمواقع المعارضة في المنطقة. وارتفعت أعمدة كثيفة من الدخان الأسود فوق الميناء.
وبالعودة الى التصريحات الغزيرة وفي مقابلة مع التلفزيون التركي «تي ار تي»، أكد القذافي ان الفوضى ستعم منطقة البحر المتوسط بأسرها وصولا الى اسرائيل اذا سيطر تنظيم القاعدة على ليبيا.
القاعدة
وحمل من جديد التنظيم مسؤولية العصيان في ليبيا وقال «اذا نجحت القاعدة في الاستيلاء على ليبيا فإن المنطقة بأسرها حتى اسرائيل ستقع فريسة للفوضى».
واكد ان «الاسرة الدولية بدأت تفهم الآن اننا نمنع اسامة بن لادن من السيطرة على ليبيا وافريقيا».
وأشار القذافي ردا على سؤال عما سيحصل في حال هذا فرض حظر جوي ان هذا «يفيد لأن الشعب الليبي في هذه الحالة سيتجه وجهة واحدة وهي مواجهة الاستعمار الجديد والامبريالية وسيتضح أنها مؤامرة على ليبيا وعدوان على ليبيا هدفه السيطرة على نفط ليبيا». وأضاف «الشعب الليبي كله سيحمل السلاح ويقاتل».
وحذر من أن السلام العالمي سينهار إذا انهار في البحر المتوسط «وإذا انتهى الاستقرار في ليبيا فسينتقل المهاجرون السود الأفارقة بالملايين إلى إيطاليا وفرنسا وستصبح كلها سوداء في مدة قليلة».
وتابع انه «إذا انهار الاستقرار في ليبيا فسينعكس على أوروبا وعلى الشرق الأوسط وما يسمى بإسرائيل». وفي سياق آخر صنف القذافي العرب الى فئتين «فقراء يحسدوننا على النفط وأغنياء لا يحبون أن يكون أحد غيرهم لديه بترول».
من جهة اخرى وفي كلمة امام شباب من قبيلة الزنتان بث التلفزيون الرسمي تسجيلها فجر أمس اتهم الزعيم الليبي المجلس الوطني الانتقالي، بـ «الخيانة» وقال «هؤلاء خونة لديهم استعداد للخيانة... هؤلاء معروفون ان لديهم ارتباطات اجنبية، اي خونة».
وشن القذافي هجوما عنيفا على وزير العدل السابق المستشار مصطفى عبد الجليل الذي انشق عن نظامه وترأس المجلس الانتقالي.
وقال ان «بعض الناس من القوى الثورية كانوا يأتونني ناصحين ويقولون لي هذا خائن، هذا عميل، هذا عبد للسنوسية، أنصح المؤتمر الشعبي العام بتنحيته، اعتقد ان المؤتمر الشعبي العام كان سيقيله في مؤتمره المقبل».
عبدالجليل
واضاف ان عبدالجليل «هو الوحيد الذي اتصل بالسفير البريطاني، قال للبريطانيين تعالوا وخذوا القواعد العسكرية السابقة، انتم سادتنا ونحن عبيدكم، لانه سنوسي، السنوسية عائلة عبدة للإنجليز والطليان، اي مستعمر يأتي تكون عبدة له».
وأكد القذافي ان عبدالجليل «انفضح امام اهل بنغازي، يتصل بالمستعمرين الإنجليز ويقول لهم تعالوا خذوا بنغازي»، مشددا على انه «لا حل الا ان يخرج ابناء بنغازي» على الثوار، محذرا اياهم من انهم في حال لم يفعلوا ذلك فإن «ابناءكم سيجندهم في افغانستان. لابد من تحرير بنغازي، الشعب من داخل بنغازي سيخرج».
وفرق الزعيم الليبي بين من وصفهم بالخونة ورفاق سلاح شاركوه في «ثورة الضباط الاحرار» قبل اربعة عقود واعلنوا انضمامهم الى الثورة، مؤكدا ان هؤلاء الضباط «مغلوبون على امرهم» و«اسرى» وقد قالوا ما قالوه «تحت التهديد بالذبح على طريقة الزرقاوي».
وقال «اي واحد في بنغازي سمعتوه تكلم في الاذاعات الاجنبية، يتصل بنا قبلها ويقول لنا انهم هددوه إما نذبحك على طريقة الزرقاوي وإما ان تقول كذا وكذا»، معددا اسماء عدد من الضباط قال انهم ابلغوه مسبقا انهم سيعلنون انشقاقهم عنه تحت وطأة التهديد.
واضاف على وقع هتاف العشرات من ابناء قبيلة الزنتان «كان متوقعا ان شباب الزنتان اقوى من ان يفترسهم بن لادن او الظواهري او واحد زنديق»، مؤكدا ان ابناء الزنتان الذين انضموا الى الثوار لا يزيد عددهم عن مائة او مائتي شاب.
واضاف القذافي، ان ما يجري «ظاهرة جنونية تصطاد اطفالنا غير الناضجين والضعفاء وتسيطر عليهم بالحبوب» المخدرة، مشيرا الى ان هؤلاء «جندتهم الفئة الضالة لأنهم ضعاف من ذوي الشخصيات الضعيفة». وقال ان «الخونة ركبوا موجة الزنادقة. الخونة والزنادقة لن يكملوا معا لأن الزنادقة سيذبحونهم».
وقال القذافي ان ما يجري في ليبيا اليوم هو بسبب نفطها الذي يحسدها الكثيرون عليه، وقال «حاسدون الليبيين: شعب صغير ومساحة كبيرة ولديهم بترول وعايشين بأمان وسعادة ورؤوسهم مرفوعة».
مراقبون أجانب
من جهته، أكد سيف الإسلام نجل القذافي استعداد بلاده للسماح لمراقبين أجانب بالدخول إلى البلاد.
وقال لصحيفة «ترود» البلغارية الصادرة أمس «قلنا للعالم بأكمله أن يرسلوا بعثات من المراقبين».
ونفى سيف الإسلام بيانات الأمم المتحدة التي تقول إن أكثر من ألف شخص قتلوا خلال الاضطرابات في ليبيا، وقال «كل شيء على ما يرام (في ليبيا). سننتصر على الإرهابيين».
وعن تصريحات ساسة أميركيين حول حملة عسكرية ضد ليبيا، قال نجل القذافي «إننا مستعدون لكل شيء»، مضيفا أنه يتعين على الأميركيين والعالم بأكمله أن يفهموا الوضع الحقيقي في ليبيا.
وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كان يعتزم الاجتماع مع المعارضة لإجراء اتفاق معها حتى يتمكن من مغادرة ليبيا بأمان، قال سيف الإسلام «لا توجد معارضة»، موضحا أنهم عبارة عن مجلس شكل نفسه بنفسه.
في سياق آخر، صرح مسؤول في مطار القاهرة لوكالة «فرانس برس» بأن اللواء عبدالرحمن الزاوي احد المقربين من الزعيم الليبي معمر القذافي، وصل الى القاهرة جوا أمس.
وقال المسؤول ان الزاوي رئيس هيئة الامداد والتموين في الجيش الليبي، وصل الى القاهرة بطائرة ليبية خاصة، حيث كان باستقباله عدد من الديبلوماسيين الليبيين.
واضاف المسؤولون ان الطائرة حطت بالقرب من صالة مخصصة لاستقبال كبار المسؤولين ولم يسمح للصحافيين بالاقتراب منها اثناء خروج المسؤول الليبي.
منطقة حظر جوي
من جانبه، دعا محمد السنوسي وريث عرش ليبيا السابق لمنطقة حظر جوي فوق ليبيا وتوجيه ضربات لدفاعات الزعيم الليبي معمر القذافي الجوية لكنه لم يؤيد وجود قوات أجنبية على الأرض. وقال السنوسي في بيان من لندن «إنني أتحدث باسم كل الليبيين عندما أطلب منطقة حظر جوي وتوجيه ضربات جوية موجهة إلى دفاعات القذافي الجوية وإن كان من الخطأ وجود قوات على الأرض كما أن شعب ليبيا لا يريد ذلك».
في هذه الاثناء، يواصل الغرب وخصوصا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا دراسة وسائل وقف القمع الدموي للمناهضين للقذافي وخصوصا من خلال فرض منطقة للحظر الجوي فوق ليبيا.
وبينما تتخذ المعارك العنيفة التي اسفرت عن سقوط مئات القتلى في طابع حرب اهلية، حذر رئيس الوزراء البريطاني من اي جمود بعد محادثة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما حول امكانية فرض منطقة للحظر الجوي.
وفي نيويورك، ناقش اعضاء مجلس الامن الدولي اول من امس احتمال فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا خلال محادثات بشأن الاضطرابات التي تشهدها، لكن الديبلوماسيين يؤكدون انه لن يتم العمل لاستصدار قرار محتمل على وجه السرعة.
ورغم المناقشات في الامم المتحدة بشأن فرض حظر جوي على ليبيا، الا ان مؤيدي هذه الخطوة قالوا انه لن يتم التقدم بمشروع قرار بهذا الشأن الا بعد ان يتم التاكد من ان التهديد الذي يواجهه المدنيون في النزاع في ليبيا خطير لدرجة تستدعي ذلك.
من ناحيتها، أعلنت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين أشتون أمس أن الاتحاد الأوروبي يفكر في إرسال بعثة عسكرية إلى ليبيا للمساهمة في جهود الإجلاء ومواجهة الأزمة الإنسانية. وفي كلمة أمام البرلمان الأوروبي في فرنسا، قالت أشتون إن الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى «أسس تخطيط حذرة للاستعانة المحتملة ببعثة في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة».
وأوضحت أنه «يمكن التدخل لدعم الجهود الإنسانية وعمليات الإجلاء الحالية». وقالت أشتون لنواب البرلمان الأوروبي إن العمل ـ في التخطيط للبعثة التي تحتاج الى دراسة حذرة للغاية و«لإجابات مناسبة على تساؤلات عن التفويض والموارد والأهداف» ـ «يجرى على قدم وساق هذا الأسبوع».