بحكم القرب الجغرافي والإقليمي، لعب نظام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أدوارا علنية وأخرى وصفت بالخفية تجاه عدد كبير من الدول الأفريقية. ولفتت عدة جهات إلى ما اسمته حملة الإرهاب الواسعة التي دبرها ويدبرها عبر غرب أفريقيا وشرقها.
وترى تلك الجهات أن العلاقات التي تربط القذافي ببعض أكثر «الأنظمة القمعية» في العالم والحركات المسلحة بالقارة قد بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان ينظر إليه على أنه واحد من أبرز التهديدات الإرهابية في العالم بعدما استعان بأموال وعائدات النفط.
وعلى مدى عقود قام القذافي بتنظيم حملة تدريبية لأشخاص أصبحوا بعد ذلك أمراء للحرب في كثير من دول أفريقيا، وهو الإرث الذي ترك المنطقة مصابة بالشلل وفي حالة من عدم الاستقرار اليوم.
ففي «المركز الثوري العالمي» الخاص بالقذافي خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم قامت مجموعة مختارة من طلاب السلطة والثروة حتى نجحت في تشكيل شبكة قوية مازالت تمثل ثقلا كبيرا اليوم من خلال استمرارها في السلطة مثل رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، ورئيس تشاد إدريس ديبي، وقادة الحركة الشعبية بجنوب السودان.
لكن ذلك لم يمنع نجاح العقيد في سياساته الاستثمارية التي كان يقوم بها في الأدغال الأفريقية مثل حالة أفريقيا الوسطى وحالة لوران كابيلا الذي وصلت قواته إلى السلطة بجمهورية الكونغو الديموقراطية عام 1997 حينما سقط نظام موبوتو سيسي سيكو.
وتدلل بعض الجهات بدور القذافي مع الرئيس الحالي لبوركينا فاسو كومباوري الذي اغتالت قواته صديقه الرئيس توماس سانكارا عام 1987م لتمهيد الطريق أمامه للاستيلاء على السلطة. وفي السودان دأب نظام العقيد القذافي، وفي غمرة نشوته بصراعه مع الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، على دعم متمردي جنوب السودان بقيادة جون قرنق.
كما ساهم في دعم جبهة المعارضة التي كانت تضم الأحزاب الرئيسية المعارضة للنميري، قبل أن يعود ويتعاون مع حكومة الرئيس عمر البشير التي انقلب عليها مؤخرا بدعمه اللامحدود لبعض حملة السلاح في إقليم دارفور.
وشهدت علاقات ليبيا وتشاد تقلبات كثيرة، جعلت من الأخيرة مسرحا لنزوات العقيد الذي ظل يتحول بين المعارضة والحكومة وبين الدولة بشقيها ورغبات نظامه الطامحة لأدلجة كل الأنظمة المحيطة بليبيا أو الطوفان.
فقد اعتبر القذافي أن تشاد هي مجاله الحيوي الذي يجب أن يوليه اهتمامه الأساسي لضمان الحصول على موارد بديلة لموارد البترول، فدخل بالتالي مع جارته في نزاع حول السيطرة على شريط أوزو الواقع بين الدولتين. ثم ساهم في تولي جوكوني وداي المعارض في حربه ضد حسين حبري، لكن ما لبث أن انقلب على وداي فحاول قتله بمحاولة فاشلة داخل الأراضي الليبية.