لم يفرحني كثيرا خبر إحداث مديرية جديدة في وزارة الإسكان، تعنى بالقطاع السكني الخاص، كما جاء في حيثيات إحداثها. والهالة التي أحيطت بها: «ستعنى هذه المديرية بتنظيم القطاع الخاص السكني، من خلال الإشراف على الشركات الإسكانية، وشركات التطوير العمراني وتنظيم عملها بشكل قانوني، وكل ما يتعلق بالبناء الخاص. وأن أمر إطلاقها أتى من الحرص على تأمين السكن المناسب للمواطن».
وكما جرت الأعراف في تقاليد الإدارة عندنا، فإن أول شيء نسارع في إحداثه، هو الجهاز الإداري، الذي يتمخض عنه منصب مدير، بكل ما يستوجب من مكاتب وفرش وثير وخطوط اتصالات وأسطول سيارات وقسائم وقود وموازنة سنوية وجيش من الموظفين والكثير من الشعارات الرنانة. وعندما يستبشر الناس خيرا ببدء ممارستها لعملها، يتبين أن المديرية، غير مخولة بعد بتنفيذ المهام المنوطة بها، لأن نظامها الداخلي لم يصدر بعد، فهو قيد الإعداد، وسوف يصدر في القريب العاجل.
هذا «القريب العاجل» غالبا ما يستغرق عدة سنوات، يطوف خلالها مشروع النظام الداخلي للمديرية المحدثة، العديد من الوزارات والمؤسسات. كل جهة تدلي بما تيسر لها من إضافات وملاحظات، فتنمو الاضبارة وتنتفخ، وعندما تصل إلى مرحلة الصياغة النهائية والتدقيق، تعود فتسلك نفس طريق العودة، بهدف مهرها بالتواقيع النهائية للجهات الدارسة.
بين كل تلك المداولات والدراسات والاقتراحات والتدقيق والإعادة يداوم جيش من الموظفين في المديرية المحدثة ويتقاضى المقربون منهم سقف العلاوات والمكافآت وأذونات السفر والعمل الإضافي.
هذا ناهيك عن آلاف براميل البنزين التي تهدر لأسطول سيارات، لمديرية بلا نظام داخلي بعد. أخبرني الصديق المهندس المدني هيثم الدريس، وهو من الضالعين منذ عدة عقود من الزمن، في أعمال البناء، أن اختناق السوق العقارية مرده ببساطة إلى تقاعس المجالس المحلية في المحافظات في إنجاز مخططات التوسع العمراني المنظم من جهة، والقوانين غير المتطورة التي تعمل بموجبها وزارة المالية من جهة أخرى.
هناك أكثر من مليون شقة سكنية على الهيكل. لماذا لا تفرض عليها الضرائب البـاهظة، بشكل يفضي إلى إكراه أصحابها على تجهيزها، وبيعها بأسعار معقولة أو تأجيرها، ألا تسهم مثل هذه الإجراءات في إعادة الأمل لكثير من الشبان في الحصول على مسكن بشروط أكثر إنسانية. علما ان قائد الوطن الرئيس بشار الأسد لم ينس الشباب فأمر ببناء مساكن شبابية ونفذ أغلبها ولكن والحق يقال ان الرئيس حضر شخصيا الى أماكن البناء ليحثهم على العمل ويشعرهم أنه لم ينس بناة الوطن ولذلك كانت هناك جدية في التنفيذ. ترى هل المطلوب من السيد الرئيس الحضور شخصيا على كل شاردة وواردة، وبالتالي يستحي تجار العقار في سورية من أنفسهم ويقتدون برئيسهم، فيبادرون الى عدم التحكم في سوق العقار؟
اتقو الله في أعمالكم فالوطن لنا جميعا، وعندما تكون أكبر شريحة في مجتمعنا بخير تكونوا أنتم كذلك بخير
هدى العبود