مرت صدمة ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية الشتاء الحالي بخطة حاذقة، قضت بجذب انتباه وسائل الإعلام والرأي العام معها إلى موضوع آخر أكثر حساسية. إذ تركّز الجدل طيلة تلك الفترة حول التلويح برفع الدعم عن مصادر الطاقة. وفي زحام ذلك اللغط والجدل الدائر والاعتراض والصراخ، تم تمرير رفع سعر صفيحة البنزين مئة ليرة دون أن يكترث لها أحد. فالناس، ونحن منهم، ركضنا وراء الشبح المخيف، «المازوت والغاز»، متوسلين الرأفة فيهما. فتم في النهاية إبلاغنا، بطي الموضوع مؤقتا، وإعادة النظر في صيغة أخرى لمجابهتنا به لاحقا بأسلوب آخر، أكثر انسجاما مع منطق اقتصاد السوق الاجتماعي.
عندما هدأ روعنا من أفول ذلك الشبح، تنبهنا إلى حجم الكارثة التي حلت بمحفظتنا النقدية، إذ انها فقدت فعليا ما لا يقل عن 30% من قدرتها الشرائية التي كانت تمشي بالأصل على ساق واحدة. فكيف سيكون الحال بعد أن امتصت موجة الغلاء أكثر من ربع رواتب ذوي الدخل المحدود؟.
مع إطلالة العام الجديد، طمأننا السيد وزير المالية بخطوات مؤثرة بالدخل، مشددا على ضرورة أن يترافق أي رفع لأسعار مصادر الطاقة مع زيادة الرواتب والأجور. مذكرا بان دعم مادة المازوت لوحده يشكل عبئا على الموازنة العامة قدره 10 مليارات دولار، الأمر الذي تعجز أي دولة منتجة للنفط على تحمله».
وفي الواقع فقد تم رفع أسعار مصادر الطاقة بشكل «غير رسمي» منذ بداية العام الحالي دون أي اعتراض من المواطن، تجلت بفقدان مادتي المازوت والغاز، وقبوله صاغرا، وفق «منطق السوق» بأن يدفع حتى كتابة هذه السطور، ثمن اسطوانة الغاز، إن توافرت له، ما بين 250 و350 ليرة، في غياب شبه تام للمازوت عن السوق، إثر إغلاق نحو اربعمائة محطة توزيع في سورية، وارتباك وتقصير في تزويد العاملة منها، وليبلغ سعر مبيعه من قبل الموزعين، إن توافر، 12 ليرة لليتر. وهكذا يعتاد المواطن المغلوب على أمره على هضم السعر الجديد قبل أن تعلنه الحكومة رسميا، وربما ستجد نفسها في حل من أي تعويضات لاحقة.
والسؤال: أليس مجديا التفكير في بدائل أخرى للطاقة، كتشجيع التدفئة على مخلفات عصر الزيتون التي شهدت توسعا ملحوظا في استخدامها في محافظة إدلب، هذا الشتاء، بعد إقامة مصنع لتجفيفها وضغطها، وتغليفها ضمن أكياس نايلون؟
ثم إذا كانت سلة الدعم الحكومي لجميع السلع تكلف نحو ألف مليار ليرة بالعام، وهذا رقم يشكل نصف الناتج المحلي السنوي، يكفي لو وزع بشكل منصف على كل رب أسرة أن يرفع القدرة الشرائية للفرد إلى مستويات تسهم في تنشيط دورة الاقتصاد الكلي، وتمكن الحكومة من رفع الدعم عن جميع السلع، دون التسبب في أي أزمات، وبعيدا عن أنصاف الحلول. نأمل ذلك ولكن والحق يقال فقد حدثنا السيد الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عندما كنا في فيينا بأننا وأحفادنا سوف ندعو له على القرارات التي اتخذها ومنها صفيحة المازوت والغاز وغيره، وغيره كثير الله يخلي لنا الدردري وكل الآدراء في حكومتنا العتيدة.
هدى العبود