بين عطر الياسمين الذي كان ومازال يعبق في البيوت الدمشقية والوردة الجورية التي صدرتها سورية الى العالم، تزدهر تربية الأزهار ونباتات الزينة بشكل مطرد لتصبح موردا اقتصاديا مهما بحد ذاتها.
وقد تطورت هذه الزراعة بحيث بلغت درجة ابتكار أنواع وألوان جديدة تتيح التمتع بالجمال الطبيعي على مدار الفصول لا في الربيع فحسب.
وبحسب تقرير لـ «سانا» فإن مشاتل سورية التي يقارب عددها نحو الـ 1500 مشتل، قد تحولت مراكز علمية نموذجية لإنبات مختلف أنواع الشتولات من أزهار وورود ونباتات وغرسات مثمرة يتزايد الطلب عليها داخليا وخارجيا ويتضاعف استخدامها لتجميل الشوارع والساحات وتنسيق الحدائق العامة والنوافذ والشرفات بما يكسر رتابة الأبنية الإسمنتية.
ومن بين هذه المشاتل تبلغ حصة دمشق وريفها قرابة الـ 150 مشتلا حكوميا وخاصا في داريا والعدوي وطريق المطار، منها تم تأسيسه منذ مايزيد على خمسين عاما وبخبرات وذوق جمالي ورثه الآباء للأبناء الذين دعم بعضهم هذه الخبرات بدراسة أكاديمية للهندسة الزراعية وتنسيق الحدائق.
وفي هذا الاطار أشار زهير المعضماني صاحب أحد أعرق المشاتل في ريف دمشق إلى أن التباين البيئي في سورية زاد القدرة على إنتاج أكثر النباتات جمالا ولاسيما منذ السبعينيات عندما أخذت الحكومة بتشجيع إنتاج نباتات الزينة لتفتح عام 1990 الباب لتصدير هذه النباتات إلى الدول العربية والعالمية، بحسب سانا.
وعرض المعضماني في مشتله الذي أسسه عام 1960 تشكيلة واسعة لأكثر من مئة نوع من النباتات والزهور والورود الحولية ودائمة التفتيح منها الوردة الدمشقية والخبيزة والياسمين والفل والقرنفل والسلطاني والخزامي والأليس والالتميس والمانوليا والمجنونة الجهنمية والتويا والمنتور والشاشات والنفنوف والهوا الخشن والجربيرا والروبيانو وفم السمكة والشمشير والمرجان والعطرة والروز ماري والورد العالي المستخدم في التطعيم إضافة إلى النباتات الورقية ونباتات الزينة والعشبيات والصباريات والنباتات الداخلية والحراجيات لافتا إلى تجربته الرائدة في تطوير أشجار السايكس التابعة لفصيلة النخيل ونقل وزراعة الاشجار المعمرة التي يصل عمرها إلى1500 عام وذلك بفضل القرار الذي أصدرته الحكومة قبل سنوات بمنع قطع هذه الأشجار عند التوسع في البناء والسماح باقتلاعها لزراعتها في المشاتل حفاظا عليها.
ومن بين الشتول المثمرة التي ينتجها المشتل أسوة بالعديد من مشاتل دمشق وريفها التفاح والتوت والمشمش والدراق والعنب والعناب بينما يتركز إنتاج شتول الحمضيات في فرع المشتل في جبلة باللاذقية.
وأوضح المعضماني ان مشتله الذي يمتد على مساحة 50 دونما في حقول داريا يضم مهندسين ومتخصصين في العناية البيئية والطبية من تطعيم وتنظيف وتشذيب وتقليم وتعقيم ونقل وزرع لهذه الاشجار المثمرة منها كالزيتون والنخيل والتين والتزيينية كالسرو والصنوبر والكينا اضافة الى وقاية جميع النباتات من الامراض باستخدام المبيدات الحشرية والفطرية.
وعن تجربته الرائدة في التصدير الى خارج سورية، أكد المعضماني ان الطلب يأتي من جميع الدول العربية تقريبا. لكن لصعوبات النقل يتم في الغالب تلبية طلبات دول الخليج التي يفضل اهلها الزيتون واللوزيات والورد المحمدي السلطاني نظرا لتحمله العطش والحر ولفوائده الصحية، هذا اضافة إلى تزايد هذا الطلب على شتول الفواكه السورية مبينا ان الاجنحة السورية في معارض الورد العالمية متميزة دوما وتلقى اقبالا ملحوظا وخصوصا من محبي النباتات العطرية.
بدوره بين رئيس لجنة المشاتل الخاصة في دمشق وريفها عبد المجيد الحليوا ان حجم انتاج المشاتل في المحافظتين يصل إلى نحو ثلاثة ملايين زهرة في الموسم أي بما يزيد عن حاجة السوق المحلية ويزيد من اقبال المنتجين على التصدير وخصوصا الى دول الخليج ودول اوروبا الشرقية.
وعدد الحليوا الانواع التي ينتجها مشتله من نباتات الظل المرغوبة لإضفاء الحيوية في اركان البيوت والمكاتب ومنها الكاوشوك والفيتونيا ووجه الثعلب والاجلونيما والتلفون بنوعيها العمودية والمعلقة والشمدوريا ونبتة راخي شعره، مشيرا إلى انها نباتات تحتاج إلى اضاءة شمسية صباحية وتربة رطبة دائما وتسميد دوري نظرا لصغر الحيز الغذائي لديها.
من جهته بين رئيس قسم التحريج في مديرية حراج دمشق المهندس ياسر عز الدين ان المشاتل الحكومية وعددها 46 انتجت في الموسم الزراعي الماضي 10.916 ملايين من الغراس الحراجية تنتج أكثر من 60 نوعا كالصنوبر والسرو والكينا واللوز والكستناء يجري توزيعها على مواقع التحريج القديمة التي تحتاج لترقيع اضافة إلى مواقع التحريج الجديدة والمواقع الحكومية وكذلك تلبية طلبات الزبائن العاديين.
ولفت عز الدين إلى ان اسعار الغراس من مختلف الانواع تتراوح بين 10 ليرات سورية للكيس الصغير و75 ليرة للكبير.
ويقدر انتاج سورية سنويا من الازهار المقطوفة بقرابة 20 الف طن ما قيمته نحو 2.4 مليار ليرة.
وأشار رئيس منتجي النباتات والازهار في سورية وعضو اللجنة الدائمة لمعرض الزهور الدولي أحمد الشبعاني، إلى ان انتشار ثقافة الزهور بين السوريين عائد لانخفاض تكلفتها ما جعلها تصبح البديل المفضل عن انواع عديدة من الهدايا التي يتبادلها الناس في المناسبات، اضافة إلى ان انحسار بناء المنازل على طراز البيت المفتوح الذي يتميز بأرض الديار جعل الناس تعتمد بشكل متضاعف على الاصص والنباتات المتسلقة ضمن حيز صغير في النافذة او الشرفة.
وبين الشبعاني انه اذا تم احصاء عدد الازهار التي ينتجها البيت البلاستيكي الواحد سنويا نحو 100 الف زهرة واعداد البيوت البلاستيكية في سورية 2000 بيت ومع الاخذ بالاعتبار ان هناك مواسم خيرة واخرى رديئة وازهارا تنمو خارج البيوت البلاستيكية يصبح لدينا في المحصلة مليار زهرة بالحد الادنى هو انتاج سورية من ازهار القطف سنويا موزعة على 20 نوعا من الازهار.
ولفت الشبعاني إلى ان تطور انتاج الزهور في سورية جعلها تحصل هذا العام عى الجائزة الاولى في مهرجان بغداد الدولي للزهور مضيفا ان هذه الزراعة لاتزال رغم التطور بحاجة الى مزيد من التنظيم ورفع شعار أغلى من الذهب وابقى من النفط ووضع رزنامة زمنية للانتاج.