هدى العبود
عادات وتقاليد لا يستهان بها من حياتنا الاستهلاكية موروثة أباً عن جد، وجميعها تدخل ضمن دائرة العادات التي تكرست عبر عقود من الزمن، والبعض منها يعود إلى مئات، بل آلاف السنين، وأقولها ولا أبالغ انها منذ ميلاد السيد المسيح عليه السلام والنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وإني لأتساءل وتساءل: هل من سبيل إلى إجراء تغييرات في البعض منها دون أن تمس تلك التغييرات جوهر حريتنا الشخصية، ونمط الحياة التي ألفناها، وبما يتكيف في الوقت نفسه مع التغيرات البيئية والمناخية، سواء على مستوى إنتاج الطاقة، أو الغذاء أو حتى عاداتنا في الزواج وتقاليده وأصوله؟
الآن تعالوا نتطرق الى حاجة سورية من القمح سنويا والتي تقدر بنحو 4 ملايين طن، وبمعدل زيادة بنسبة 10% كل عام، يذهب معظمها لإنتاج الرغيف. وهو رقم يشكل نحو ثلث استهلاك أوروبا بدولها السبع والعشرين، من القمح. وفي ظل الأزمة العالمية على الغذاء، أصبح القمح المادة الإستراتيجية الأهم في السوق العالمية، نظرا لتدني معدلات إنتاجه عالميا، خصوصا القاسي منه. هل كل رغيف ينتج بعرق آلاف الأشخاص، مدعوما بمصادر الطاقة الرخيصة، يستهلك فعلا من قبل الشرائح الأضعف، الذي تتكبد الدولة مليارات الليرات سنويا لإيصاله لهم بأقل من تكلفته بكثير؟
ثم هل بمقدور أحد أن يفسر لنا الأسباب النفسية والاجتماعية الكامنة وراء تعلق السوريين بهذا النمط من الرغيف «المرقد» الذي تذهب نسبة 20% منه إلى محلات صنع «الحمص والفلافل» بسبب عدم قابليته للاستهلاك بعد يوم من تخزينه؟
أليس حريا باخصائيي التغذية أن يوضحوا للناس حقيقة القيمة الغذائية المتدنية التي يحتويها رغيف الخبز مقارنة مع تفاحة أو شريحة لحم حمراء، كي يرفعوا من الوعي الغذائي لدى المواطنين؟ أرى من الضروري أن تأخذ برامج التوعية دورها، متلازمة مع توجهات حكومية جادة لتغيير نمط العادات الاستهلاكية السائدة، بما يعود بالخير والمنفعة على صحة المواطنين وموارد الدولة وخزينتها العامة التي يستنزف الدعم الحكومي جانبا كبيرا منها، مع أن البدائل الأفضل متوافرة. ومن البدائل الأفضل لمادة المازوت التي ما تزال الهاجس الأكبر الذي يقلق القائمين على إعداد الموازنة العامة، مادة «الجفت» أو البيرين، الناتج عن عصر الزيتون، خصوصا بعد أن أقام أحد الصناعيين معملا حديثا في محافظة إدلب لتجفيفه وتصنيعه على شكل بلوكات جاهزة للاستهلاك المنزلي، في التدفئة، المنسجمة مع البيئة، ومع دخل المواطن، إذ ان تكلفة تدفئة منزل مساحته 150 مترا مربعا خلال فصل الشتاء، لا تتعدى كمية طن واحد منه بكلفة ثلاثة آلاف ليرة. قال لي أحد الأصدقاء مداعبا: السوريون مدمنون على المازوت، ومن الصعب جدا ثنيهم عنه. فهم شديدو التعلق بعاداتهم التي ألفوها. قد يكون في دعابته جانب من الصواب. لكن عندما تتوافر البدائل المقنعة، فما من أحد يمكنه التشبث بعادات أحبها على حساب مصلحته الشخصية.