حَلَم السوريون بأن يكون لديهم سوق للأوراق المالية، أسوة بأقرب بلد صغير يجاورها، وقد تجاوزوا مسألة البنوك والبورصات، وجابوا العالم بصحن من التبولة والكبة النية وغيرها، وهم الآن من أعرف الدول العربية وتقريبا على مستوى دول العالم معرفة على المستوى الإعلامي. نعم، شيء محزن ان تكون سورية الطبيعية سابقا، وسورية بحدودها المرسومة منذ معاهدة سايكس بيكو حاليا، لم تر سوقا للأوراق المالية بعاصمتها الأقدم في التاريخ إلا من نحو سنتين تقريبا. والمحزن أن التجاوزات الفاضحة التي كشفها بيان هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية لواحدة من كبريات شركات القطاع الخاص الصناعي، تثير تساؤلات عديدة وشجون محزنة، أقلها زعزعة الثقة بهذا القطاع الحيوي، الذي يسهم في 65% من الناتج المحلي، دون أن يستوعب حتى الآن مستجدات العصر، التي تشهد منذ بداية الألفية، نهوض بنية جديدة لاقتصاد منفتح، ضمن قوانين المنافسة العالمية، والتي تؤكد انه لا مكان فيه في المستقبل إلا للأفضل، والذي أتقن اللعبة بكافة أبعادها.
شركة النماء للصناعات الكيماوية، ولنقل بشكل أدق وأوضح «شركة آل دعبول» أو غيرها من الشركات التي تسلك نفس السلوك، كصاحب شركة القمصان الأربعمائة مأمون الحمصي، إذا لم تخني الذاكرة، كان يشغل منصب عضو مجلس الشعب سابق، والذي أعلن جهارا نهارا ظلم وغبن الدولة عليه في الوقت الذي كان يقتنص من الضرائب لحسابه من الدولة ما يقارب 200 مليون ليرة سورية أخفاها ولعب بالأوراق الخاصة بحق الدولة من ضريبة تعود على المواطن والوطن من بنى تحتية وما شابه. ولكن والحق يقال ليست الشركة التي جئنا على ذكرها أو رجل الأعمال الذي يعيش في أميركا حاليا، بعد ان طالبت به منظمات حقوق الإنسان الوحيدة التي يعشش الفساد في صميم تركيبتها. فالحال في معظم الشركات الأخرى، التي لبست ثوب الشركات المساهمة المغفلة، تلبية لتوجهات الحكومة في تشجيع قيام شركات خاصة كبرى، تمهيدا لدخولها في سوق الأوراق المالية، ليس أحسن حالا، طالما أنها بالأساس، مثل نظيرتها، شركات فردية، أو عائلية، يهيمن على مقدراتها، فرد أو عدة أشخاص من عائلة واحدة، عبر مجلس إدارة شكلي مهمته المصادقة على قرارات «المعلم» يدعمه فريق من المحامين، أو رجال قانون، حنثوا بيمينهم وباعوا ضميرهم المهني، مقابل رزق معلوم فسهلوا لهم كل عمليات استباحة القانون والمال العام.
عقلية «القناص» هي الذهنية التي تحكم سلوك صاحب الشركة مهما كبرت وعظم شأنها. هو يعرف فقط ما له من حقوق، ويرفض الاعتراف بما عليه من واجبات. لن نأتي على الحكاية الأزلية للتهرب الضريبي الممنهج، والتلاعب المحترف بالبيانات الجمركية، والالتفاف على ما تبقى من قوانين. سنكتفي بالتوقف عند الإشارات الفادحة التي نبه إليها بيان هيئة الأوراق المالية، بخصوص شركة النماء وأمثالها، والتي كان من المفترض أن تلفت انتباه اللجان المختصة في مجلس الشعب، والتي ناقشت قانون الشركات مطولا قبل صدوره مؤخرا، فتعيد النظر ببعض بنوده، لاسيما منها المادة 226، التي تمنح الشركات الأجنبية تسهيلات واسعة واعفاءت ضريبية غير مقيدة بشروط، كتشغيل اليد العاملة السورية، كحد أدنى، وبشكل يسد الثغرات التي مكنت مجلس إدارة شركة النماء من الاحتيال والنصب على المال العام (تقديم كشوفات مالية غير صحيحة بهدف الحصول على تسهيلات بقروض مصرفية وصلت ربما إلى أكثر من مليار وربع المليار ليرة سورية) وسلب مدخرات المواطنين، أو طرح أسهم للاكتتاب العام، بقيمة مبالغ فيها، بهدف زيادة رأسمال الشركة، في الوقت الذي كانت تسجل فيه الشركة تراجعا في أرباحها. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: من سيعوض أصحاب الأسهم التي لم تعد تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به؟! أليست وزارة الاقتصاد هي الضامن لسندات هذه الأسهم قانونيا ومنطقيا؟ ثم كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين المواطنين، الذين يتوقون إلى استثمار مدخراتهم الصغيرة، والشركات الخاصة إذا لم تكفل الحكومة السندات الصادرة عن تلك الشركات ونحن على مدى أكثر من عامين من إعلان بدء العمل بسوق الأوراق المالية السورية، في العاصمة الأقدم دمشق؟!