هدى العبود
لن تمحى قافلة الحرية من ذاكرة العالم، ربما لسنوات عديدة مقبلة. لقد سجل التاريخ وحشية دموية لا يصدقها عاقل، ويندى لها جبين كل إنسان حر. العالم الذي شاهد عبر الفضائيات عملية الإنزال المرعبة في عرض المياه الدولية للبحر المتوسط لا يمكن أن يصدق أن هؤلاء القراصنة ينتمون الى دولة تدعي أنها «واحة الديموقراطية في شرق أوسط مسكون بالعنف والإرهاب والتخلف!»، وأنها الامتداد الطبيعي للحضارة المدنية الغربية!
حقيقة أعلن عن كامل فخري واعتزازي بالسوريين الذين كانوا على متن إحدى سفن أسطول الحرية الذي توجه إلى غزة ليفك أسرها، وأعلم أنهم ما شاركوا وواجهوا احتمال الموت إلا من منطلق إنساني، ولم يكونوا باحثين عن شهرة أو عن أمجاد شخصية، يكفي أن مشاركتهم، ودون قصد منهم، منحت بلدانهم صورة إعلامية إيجابية في الشارع العالمي، وهي الصورة التي عجزت عن أن تحققها جامعة الدول العربية نظرا لاختلاف الآراء والعودة لمكمن القرار.
ولكن إذا ما أردنا أن نتناول حكاية أسطول الحرية بتجرد فعلينا أن نبتعد تماما عن العواطف، وأن نحسبها حسبة عقل ونتابع انعكاساتها سواء على الساحة المحلية أو العالمية، لنعرف من المستفيد مما حدث، ومن خسر ومن لم يتغير معه شيء.
مر الآن نحو أسبوعين على الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قافلة الحرية، والنتيجة التي بين أيدينا هي أن الرابح الأكبر سياسيا هو تركيا، والقضية الفلسطينية، وتحديدا أهالي غزة المحاصرين والمواطنين الذين كانوا على متن أسطول الحرية ومن يمثلون من دول العالم، وليس أحدا آخر.
تركيا وقبل قافلة الحرية كانت على قائمة اهتمام الاتحاد الأوروبي فعلا وهي أيضا شريك، رهن الحاجة لا أكثر، للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما انتبه إليه القادة الأتراك في أنهم لو بقوا على أمل محاولاتهم إرضاء دول الاتحاد الأوربي من أجل الانضمام إليه، فلن يبلغوا مرادهم في المدى المنظور.
ولذلك فإن تركيا وبقيادتها الحكيمة أدركت أن العودة لجذورها الشرقية الإسلامية، ومد يدها لكل الجوار العربي المحيط بها هو الحل الأمثل للخروج من قائمة الانتظار على أبواب الاتحاد الأوروبي الذي ينكر عليها انتماءها لحضارته المدنية، فكانت البداية في دخول البوابة باتجاه الوطن العربي عبر سورية، إذ التقت القيادتان الحكيمتان بقيادة الرئيس بشار الأسد والرئيس التركي عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وهذا ما شهدناه من غيرية وحب في دافوس عندما انسحب من المؤتمر، واصفا إسرائيل بالقاتلة للأطفال والنساء في غزة وفلسطين، وكل ذلك من أجل القضية الفلسطينية لا من أجل مصالح شخصية، كما بدأ يدعي البعض وبذلك بدأت تتحول إلى دولة تحمل رقما صعبا في التوازنات السياسية الدولية في منطقة الشرق الأوسط.
يرى محللون سياسيون ومنهم الفلسطيني عبدالستار قاسم ان بداية العودة التركية إلى جذورها الإسلامية على حساب علمانيتها جاءت عام 2002 عندما رفضت تركيا مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في الهجوم على العراق، وهذا ما كشف عنه مركز الزيتونة للاستشارات والدراسات الإستراتيجية في أحد تحليلاته في 12 مايو الماضي.
لكن يبقى أهم نجاح لتركيا توجته بموقفها من أسطول الحرية وأن علمها بدأ ينتشر في جميع مظاهرات أحرار العالم، فقد رأينا العلم التركي في مطارات العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص يرفرف وقد حمله مؤيدو القضية الفلسطينية وبل ومؤيدو القضايا العربية لأن أسطول الحرية كشف وجه إسرائيل الحقيقي والتي كانت تحاول أن تظهر بمظهر المضطهد وان العرب سيقذفون بها في البحر!
وأخيرا: نعم وكما قال الرئيس في استقباله للوفد السوري المشارك في أسطول الحرية، «أسطول الحرية نقطة تحول في الصراع العربي ـ الإسرائيلي «وتلبية لقيادة حكيمة، علينا أن نحشد الطاقات وان نؤيد مشاركة السوريين في أي أسطول حرية قادم من أجل فك الحصار عن إخوتنا الفلسطينيين في غزة، وعلينا أن نقيس الأمر بعقلانية، وأن نعرف أن المشاركة إنسانيا شيء والبعد السياسي لذلك الأسطول شيء آخر تماما. والنتيجة أن إسرائيل ظهرت على حقيقتها بعد أن كشفت للعالم عن وجهها القبيح الذي لم تعد تنفع معه كل مساحيق الآلة الإعلامية الغربية المؤيدة له كي تجمله في نظر شعوب العالم. لقد أسقط أسطول الحرية كل الأقنعة المزيفة والقبيحة دفعة واحدة.
وما أثار فضولي أنني قرأت مقالا لكاتب معروف، استغربت ان يقول في مقاله «أين السبايا» «السبايا عادوا فيها» على مستوى العالم اجمع ظهرت حقيقة الدولة الديموقراطية «العنصرية» وسط العرب المتخلفين! هل علمت أيها الكاتب المعروف انهم عادوا ومعهم أثمن سبايا في العصر الحديث. العالم اجمع وقف مناصرا لقضايانا العادلة أليسوا جديرين بالاحترام؟! وعلينا ان نرفع لهم القبعة وأنهم لم يعودوا بخفي حنين لأوطانهم، بل عادوا وشهداؤهم تسبقهم وكشفوا وجه الصهيونية العالمية.