هدى العبود
فجأة أعلنت اليونان أنها تعاني من الأزمة المالية العالمية ترى ما السبب؟ وكلنا يعلم أن اليونان بلد عريق يمتلك كل المقومات من السياحة والتجارة إضافة الى الموقع الذي يعتبر من أفضل المواقع في العالم. نعم أعلنت أثينا ولم تغمض عينيها عن ازمة لا يستهان بها، ولحقت بها جارتها الأوروبية اسبانيا التي سارعت الى الإعلان عن اتخاذ إجراءات تقشف في موازنتها وإنفاقها الجاري بنسبة 16% كإجراء احترازي يرمي إلى إبعاد شبح سيناريو اليونان عن حدودها. لكن المشكلة مع الأسف تحيط وتهدد ست عشرة دولة أوروبية، أي منطقة اليورو، وهي منهم، ترى هل تجد منطقة «الحلم الأوروبي» نفسها فجأة محاصرة بين ثلاثة استحقاقات لا مهرب من أي منها إلا بمعجزة إلهية، وهذا أمر لا يمكن البناء عليه بمنطق العلم، بدءا من حماية رصيدها النقدي من الانهيار، العملة المفترض انها محمية وهي التي وحدت تحت لوائها 16 دولة متباينة في اقتصاداتها ولغاتها وثقافاتها. ففي انهيارها تسقط معاهدة لشبونة ومن قبلها اتفاقية ماستريخت، وتعود الأمور ربما إلى ما قبل اتفاقية روما عام 1956، أي الدول القطرية بسوق اقتصادي ضيق، ينتهي معه الحلم الأوروبي الذي تحلم بتقديمه لأجيالها.
وعلينا ألا ننسى الدين العام الذي تعاني منه جميع بلدان منطقة اليورو باستثناء ألمانيا التي عانت ما عانته قبل انهيار جدار برلين من الانقسام وحصار الإخوة الأوروبيين لها بعد الحرب العالمية الثانية. والذي يجعل من خطة الإنقاذ التي أقرها المصرف المركزي الأوروبي مؤخرا لمساعدة الدول الأخرى المتعثرة المقدرة بنحو تريليون يورو تبدو في واقع الأمر مسكنا ضعيف الفاعلية لديون وصلت الـ 100% من الناتج المحلي السنوي bip للبعض منها.
وعلينا أن لا ننكر تحذير الاقتصادي الأميركي المعروف، نورييل روبيني من المخاطر المحدقة بدول الاتحاد الأوروبي منذ بداية العام الماضي، كل المؤشرات التي بين أيدينا الآن تثبت أن ما يجري في اليونان منذ مطلع العام الحالي وما سيتبعها من انهيارات متسلسلة قد تم إعداد فصولها بين قمتي مجموعة العشرين الكبار g20 اللتين انعقدتا في نوفمبر 2008 في واشنطن وأبريل 2009 في لندن، ولا يخفى على احد وجود كل من مادوف وجورج سوروس في الكواليس الخلفية للقمة، أن بصماتهما كانت واضحة في صياغة بنود جدول أعمال القمة، ونتائج الخراب الذي بدأت تعيشه القارة الأوروبية حاليا.
والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: هل ستفضي التحركات المكوكية بين عواصم القوى الاقتصادية، مجموعة bric التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، إضافة إلى التكتلات الاقتصادية الأقل شأنا التي تتشكل معالمها في أكثر من مكان، ومنها بوادر تشكل نواة تكتل إقليمي شرق أوسطي يضم كلا من تركيا وروسيا وأرمينيا وسورية ولبنان وقطر والعراق في وقت لاحق، إلى منع انهيار اليورو ليبقى منافسا قويا للدولار كما جاء في تصريحات الناطق الرسمي للكرملين الذي قال: «تمر العملة الأوروبية الموحدة بمرحلة صعبة لكنها ستتجاوز أزمتها بوقوف دول من خارج الاتحاد إلى الأوروبي إلى جانبها في محنتها، وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية التي لن تتوانى في تقديم كل ما يلزم من دعم لاستمرار اليورو؟ وهل نحن العرب نستعد لمساندة اقتصاداتنا ولو كانت ضعيفة بالنسبة للدول العملاقة في اقتصادها واقتلاع كل ما تريده من مكونات الاقتصاد القوي؟ وببساطة اكبر هل نعمل على مبدأ أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الضعيف؟ نأمل أن نرى اقتصاد العرب موحدا في وجه العواصف بكافة أنواعها».