هدى العبود
هل تصدقون أن حلم الخريطة الاقتصادية العربية يراودنا منذ أكثر من ستين عاما، وكي لا نتعبكم أكثر في التفكير تعالوا لنتفق على أن خمسين عاما مضت هكذا وكأننا في حلم . نعم هذا يجعلني احزن على عمر جيلنا الذي شهد أقصى ما يمكن تخيله من انكسارات وهزائم واجتياحات للأوطان وحروب مدمرة وتشكيك بالهوية والانتماء ومع الأسف هروب شبابنا وأبنائنا الى الخارج لأنهم يشعرون أنهم مهددون بوجودهم.
مع الأسف أنجز الوطن العربي عشر خطط خمسية تنموية، لم تنجز واقعيا في أي منها الحد الأدنى مما رسمه لنفسه، بسبب هلامية بعض التوجهات من جهة، وعدم الارتكاز في العديد منها إلى إحصاءات سكانية دقيقة، أو مؤشرات شفافة في معدلات النمو الفعلي للاقتصاد الفعلي، وانعكاس ذلك على مستوى معيشة ذلك المسكين المواطن، لأنه حقيقة هو المستهدف في أي عملية تنموية تدعي الحكومات أنها تقودها وتعمل على تنفيذها.
ولذلك ما معنى الاستمرار بسياسات اقصائية للقطاع الخاص عن خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية على امتداد الساحة العربية في أكثر من بلد، يأتي في مقدمتها مصر والسودان والعراق وسورية وبلدان المغرب العربي، وحصر التراخيص لأنشطته في قطاعات خدمية، وصناعات تحويلية ضعيفة ومحدودة، وغير قادرة على خلق فرص عمل تتناسب ومعدلات النمو السكاني فيها، طيلة ما يزيد على نصف قرن؟
وما معنى أن تطلق له الدعوات منذ بداية الألفية الحالية إلى لعب دور هام وفاعل في تنمية معطلة وبنى تحتية شبه بدائية (تعليم وطرق وموانئ ومطارات ومياه واتصالات وقس على ذلك)؟
ومن خلال زاويتنا هذه تعالوا نتساءل: ترى لماذا ابتعد القطاع الخاص العربي طيلة تلك العقود من الزمن، عن توظيف رؤوس أمواله في مشاريع تنموية ضخمة من شأنها خلق أرضية مشتركة لتكامل اقتصادي وتجاري بين جميع البلدان العربية، وتشغيل اليد العاملة المحلية ضمن مشاريع عربية مشتركة بين رؤوس الأموال العربية الباحثة عن مشاريع استثمارية ذات جدوى اقتصادية مأمونة، كقطاعات الزراعة والطاقة وإنتاج الكهرباء والبنى التحتية المتطورة، والشركات الحكومية، التي توقفت بعض مشاريعها أو تعثر إنجازها بسبب عدم توافر السيولة المالية اللازمة، فتم إرجاؤها وجدولتها على لوائح قائمة الانتظار منذ سنوات عديدة، كمشاريع الطرق الدولية السريعة الباهظة التكاليف، ومشاريع النقل بالسكك الحديدية الكهربائية المتطورة، الباهظة التكلفة أيضا.
لكن، والحق يقال، سُمح لنا من ذوي الشأن ومن يسهرون على تنفيذ متطلباتهم بأن نستمع الى دعاية علكة سهام طيلة أيام شهر رمضان المبارك، «وبابا فين» وعلكة سهام شو طيبة. وبعدها تأتي على وجه السرعة دعاية محارم ديمة شو ناعمة. ولكي لا اظلم تلفزيونات عربية أخرى حقيقة يا إخوتي نفس الدعايات من علكة ومحارم وشراب عمار وأنواع الطبخ والنفخ وأخبار عن اكبر صحن تبولة وحمص وبوظة وشوكولاتة أصبح لها عيد على ما اعتقد. نعم بحسرة ومرارة هذا هو الواقع العربي الاقتصادي الذي يرسم لنا سواء من الخارج أو من الداخل، فهل هناك من يسمع أم أن الأمر سيان؟!